المساء اليوم - ع. الدامون: بعد فترة من الهدوء النسبي، عادت طبول الحرب لتقرع في المجلس الجماعي للرباط، وهي حرب يجتمع فيها الأعداء والأصدقاء للإطاحة بعمدة العاصمة، وهي امرأة من بين ثلاث نساء يدرن شؤون بعض أكبر مدن البلاد، في حالة غير مسبوقة بالمغرب. غير أن "الفارسات الثلاثة" اللواتي يدرن شؤون الرباط ومراكش والدار البيضاء، قد يصبحن اثنتين فقط، بعد أن ضاق الخناق حول أسماء اغلالو، عمدة العاصمة، التي كانت هدفا، قبل بضعة أيام، لغزوة غير مسبوقة، حين حاول أعضاء الأغلبية والمعارضة اقتحام مكتبها، وربما انتزاعها من فوق "عرشها" وتعيين رجل بدلها، سيكون على الأرجح رئيس مقاطعة حسان. ووصفت كاميرات جماعة الرباط مشاهد من محاولة اقتحام مكتب العمدة "من أجل تسليمها نسخة من طلب عقد دورة استثنائية للمجلس لتغيير الكثير من بنود القانون الداخلي، بينما تقول العمدة والمقربين منها إن تلك "النسخة" مجرد مسمار جحا يستخدمه خصوم العمدة لتعيين عمدة جديد قادر على الانصياع بسهولة لمصالح متضاربة عند هذا وذاك، بمن فيهم أعضاء في حزب العمدة، التجمع الوطني للأحرار، الذي يكتفي حاليا بالتأمل الفلسفي لهذه المشاهد السريالية. ويبدو أن اغلالو، الوزانية الأصل والفصل، تعيد فقط أداء دور "دار الضمانة" في وجه معارضيها، حيث تبدو "شريفة وزان" واثقة من نفسها ومن أدوات مواجهتها للمعارضة، وحين يضيق بها الحال، تلجأ إلى إلى إغلاق باب مكتبها وانتظار شيء ما من السماء، غير أن السماء لا تمطر هذه الأيام سوى المفاجآت السيئة. ومن النادر أن يجتمع اليمين واليسار والوسط ويمين اليمين ويسار اليسار على عمدة تتميز بكل "قسوحية الراس" اللازمة لمواجهة الجميع، حتى يبدو وكأنها خارج كل هذه اللعبة التي أنتجتها انتخابات 8 شتنبر 2021، والتي جعلت أحزابا من مختلف الاتجاهات تتعارك على تركة حزب العدالة والتنمية، الذي حكم مجالس مدن كثيرة بأغلبية مطلقة بعد انتخابات 2016، قبل النكسة الذي جعلت الحزب "الإسلامي" يكتفي من الغنيمة بالإياب وينتظر قدرا أفضل في انتخابات مقبلة. وحسب المعارضين للعمدة، فإن الأمر يتعلق، بوضوح، بمحاولة "عزل جماعي" للعمدة، وهو تعبير يشبه "الانقلاب"، حيث يشترك التحالف الثلاثي المسير للجماعة الرباط، الأحرار والبام والاستقلال، في الإمساك بخناحر العزل، في استعادة تاريخية لحلف "ضرار" الذي جمع كل بطون قريش. غير أن بطون الرباط لا تبدو بنفس القوة التي كانت عليها بطون قريش، فهناك مصالح تتوافق أحيانا وتتنافر أحيانا أخرى، كما أن بعض مكونات جماعة الرباط تفعل ما يفعله أي عاجز، عبر الانقياد للجماعة في أوقات الذروة، لكنها لا تلبث أن تعترف بأن إسقاط اغلالو سيكون أصعب قليلا من إسقاط زاوية "دار الضمانة". وتدرك العمدة اغلالو أنها ليست في نزهة، لكنها تعي أيضا أن سلاحها الوحيد المتبقي لها هو عنادها، وأيضا فرصتها في دخول التاريخ بأن تكون أول امرأة عمدة في المغرب، بل وفي العاصمة، يتم عزلها من طرف حلف يقوده الرجال، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير. ولا تدخر اغلالو عنادها للأعضاء المتربصين بها فقط، بل سبق أن واجهت بصراحة ملفتة قياديي حزبها، الذين اجتمعوا بها قبل بضعة أشهر، وكان على رأسهم رئيس حزبها والحكومة، عزيز أخنوش، والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بيتاس، وآخرون، والذين طلبوا منها الانحناء قليلا للعاصفة، غير أنها فاجأتهم بأن طلبت من العاصفة أن تنحني لها، وكشفت لقادة حزبها ما يريده أعضاء مجلسها، على غرار فيلم "كل ما تريده لولا". ومن بين أهم نقاط قوة اغلالو، بالإضافة إلى عنادها، أنها لا تجد في بطنها ما يخيفها، حتى لو كان زوجها أحد المنقلبين عليها، في استعادة كوميدية للقيصر الروماني مع المنقلبين عليه وعبارته الشهيرة "حتى أنت يا بروتس"..! ويبدو أن أياما صعبة تنتظر، ليس العمدة، بل المعارضين لها، والذين صار بإمكانهم سلك طريق واحد لا غير، وهو خلق أواصر التعاون الأخوية مع وزارة الداخلية من أجل عزل العمدة في أقرب وقت، لكن لا يبدو أن هذه الطريق ستكون سالكة في وقت تحاول الوزارة الوصية أن "يخرج سربيسها بيخير" قبل الانتخابات المقبلة، وهو وقت ليس طويلا على أية حال، ولن تغامر الوزارة بتحمل انتقادات، قد تكون على مستوى دولي، بالتآمر على امرأة. وحتى في حال توافق الجميع على عزل عمدة الرباط، فإن سكان مدن أخرى سيطالبون بالمعاملة بالمثل، مثل سكان طنجة، الذين يطالبون منذ زمن بعزل "عمدتهم" منير ليموري، لأسباب وجيهة جدا، بينما يكتفي العمدة بابتسامة غبية والسفر والتجوال على حساب المال العام وترك المدينة تغرق، ولا أحد من أعضاء جماعته يطالب بعزله لأنه يعرف جيدا طريقة توزيع الغنيمة. بقيت هناك إشارة بسيطة جدا ومعقدة جدا، وهي أن أعضاء جماعة الرباط قد لا يستطيعون أبدا تغيير عمدة المدينة، وكل ما يمكنهم فعله حاليا هو تناول مسكنات عبر ترويج أخبار عن قرب تغيير العمدة، وانتظار الانتخابات المقبلة بصبر أيوب.