المساء اليوم - هيأة التحرير: كان من الممكن أن نوجه هذه الانتقادات إلى وزارة الاقتصاد والمالية، على اعتبار أنها المسؤول القانوني عما يجري حاليا من "جرائم" في الشوارع المغربية بسبب هذه الجحافل من الدراجات النارية التي حولت السياقة في البلاد إلى جحيم حقيقي، حتى انطبقت على شوارعنا مقولة "ما قدو فيل زادوه فيلة"، لكن إدارة الجمارك تعتبر، فعلا، المسؤول المباشر عما يجري، لأنها التي سمحت وأشرفت مباشرة، ولا تزال، على استيراد مئات الآلاف من هذه الدراجات التي يلعنها المغاربة صباح مساء. عمليا، فإن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة تنتمي إلى وزارة الاقتصاد والمالية وتديرها مديرية عامة مهيكلة في إطار شبكة ممتدة عبر مجموع التراب المغربي. والأهم من كل هذا أن إدارة الجمارك توفر للدولة قرابة 40 او 50 في المائة من ميزانيتها السنوية، وهذا رقم ضخم يبرز بوضوح دور هذه الإدارة، ليس فقط في توفير السيولة المالية للبلاد، بل أيضا في حفظ الأمن المالي لبلد لا يزال حائرا في رسم نموذجه التنموي..! ما يهمنا في كل هذا هو خارطة الطريق الأخلاقية التي تحدد عمل إدارة الجمارك التي تعرف نفسها، حسب موقعها الإلكتروني، بأنها "تساهم بشكل أساسي في تعبئة السلطات العمومية للحفاظ على الأخلاقيات والأمن والنظام العام وصحة المواطنين". كما أن إدارة الجمارك "تساهم في الحفاظ على البيئة، حيث يشارك رجال الجمارك على الحدود في مراقبة مرور المواد المضرة بالبيئة". نكتفي بهذا القدر لنسأل إدارة الجمارك: ألا تعتبر مئات الآلاف من الدراجات النارية في الشوارع المغربية، التي مرت أمام عيون الجمارك، ضررا حقيقيا على صحة المواطنين واعتداء صريحا على القانون وعدوا كبيرا للبيئة ووحشا ينهش الأمن والأمان في الشوارع المغربية..؟! ويمكن لإدارة الجمارك، التي تعتبر المسؤول الأول عن هذه الظاهرة الخطيرة، أن تشكل لجنة تحقيق لرصد الآثار الكارثية لهذه الدراجات النارية على القوانين وعلى صحة المواطنين وعلى البيئة وعلى النظام العام، وبعدها يمكن لإدارة الجمارك أن تتخذ أحد أمرين: إما أن تمنع فورا دخول هذه الدراجات النارية، أو تغير فورا طريقة عملها وتتوقف عن اعتبار نفسها حارسة الوطن والمواطنين..! نرى يوميا في الشوارع المغربية مشاهد يندى لها الجبين. دراجات نارية لا تعترف بأي شيء.. لا بالقانون ولا بالبشر ولا بالأخلاق ولا بالإنسانية. نرى في كل ساعة وكل دقيقة وثانية هذه الدراجات النارية تسير فوق الأرصفة وتدهس النساء والأطفال والعجزة، بل وحتى الرضع في عرباتهم. تسير في الممنوع ولا تعترف بشيء اسمه أضواء الإشارة. تقفز وسط الحدائق العمومية ووسط الأزقة الضيقة لكي توصل "الطاكوس" ساخنا، أو توصل المخدرات لمدمنين متعجلين، أو يركبها لصوص يترصدون ضحاياهم بعدوانية ملفتة، أو حتى تمارس ألعابا بهلوانية خطيرة على الطرقات العامة، حتى صرنا نشفق على رجال أمن وهم يحاولون مطاردة هذه الدراجات الشيطانية. هذه الدراجات النارية تخصصت في شيء أغرب، وهو اختلاق حوادث سير مفتعلة من أجل الحصول على أي مكسب ثم البحث فورا عن ضحايا آخرين. وعادة ما يترصد أصحاب هذه الدراجات سيارات تركبها نساء أو عائلات أو متقدمون في السن، ويحتكون بها عمدا ويتظاهرون بالسقوط ثم يطلبون تعويضا جزافيا، حسب الظروف، وهناك من يحصل على آلاف الدراهم يوميا من وراء هذا الاحتيال. هذه الدراجات النارية قربت أيضا المخدرات من المواطنين، وأصبح المدمنون لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن جرعاتهم في مناطق بعيدة، بل تصلهم حتى منازلهم من طرف سائقين، هم في الغالب مراهقون وشباب تحت تأثير المخدرات، لا يعترفون بشرطي ولا بضوء أحمر ولا برصيف ولا بحديقة ولا باتجاه ممنوع ولا بأي شيء. حتى المتنزهات والغابات والحدائق التي كانت في منأى عن الضجيج والتلوث صارت مرتعا لهذه الدراجات النارية المتوحشة، والحمد لله على أن المواطن يدخل منزله فلا تطارده دراجة نارية إلى غرفة نومه، إلى حدود الآن على الأقل..! لن نطيل في رصد موبقات هذه الدراجات النارية في حق القانون والبيئة وصحة المواطنين، فذلك يحتاج إلى مجلدات، لذلك نسأل إدارة الجمارك بكثير من التجرد والصدق: هل عملهم يدخل فعلا في إطار الحفاظ غلى القانون وحفظ صحة المواطنين والحفاظ على البيئة.. وزيد وزيد.. ما تفعله الدراجات النارية في الشوارع المغربية يقول العكس تماما. لقد أصبحت هذه الدراجات المتوحشة جريمة كاملة في حق الوطن والمواطنين، وأقل ما يمكن أن تفعله إدارة الجمارك هو الوقف الفوري لاستيراد هذه الفوضى من الخارج "مقابل حفنة من الدولارات".. فالمغاربة لا يستحقون كل هذه القسوة..!