المساء اليوم - متابعات: يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتزم إقفال عدد من الملفات الدولية العالقة منذ عقود، من بينها ملف الصحراء، الذي حظي مؤخرا بانعطافة كبيرة عبر اعتراف الأغلبية الساحقة من بلدان العالم بالسيادة المغربية وبدعم مبدأ الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية. وبالموازاة مع اشتغال واشنطن على عدد من الملفات الدولية، مثل ملف أوكرانيا والملف النووي الإيراني وغيرها، فإن ملف الصحراء لا يبدو بعيدا عن الاهتمام الأمريكي، خصوصا بعد تجديد الحكومة الأمريكية اعترافها بالسيادة المغربية على المنطقة مؤخرا، وتصريحات رسمية أمريكية عن وساطة قريبة بين المغرب والجزائر، فيما يشي بأن الإدارة الأمريكية ترغب في الإقفال النهائي لهذا الملف الذي استمر لخمسة عقود. وكان مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط، صرح مؤخرا أنه يعتزم القيام بزيارة قريبة إلى كل من الجزائر والمغرب لبحث ملف الصحراء. ويحظى مسعد بولس، اللبناني الأصل والمولد، بدعم قوي من الإدارة الأمريكية، فهو صهر ترامب، ووالد مايكل بولس زوج تيفاني ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي. وتحدث مستشار الرئيس الأمريكي عن أهمية التوصل إلى حل نهائي للملف، وأضاف أن “الجزائر مستعدة أن تقبل بأي حل تقبل به البوليساريو”. وعبّر المسؤول الأمريكي عن أمل الولايات المتحدة في “أن تكون علاقات الجوار والأخوة بين الجزائر والمغرب في أفضل حالاتها مستقبلا”، مشددًا في ذات السياق على أن “المغرب بلد شريك وحليف، لكن نحن نتمنى أن تكون لنا أفضل العلاقات بيننا وبين الجزائر، ليس فقط بين الجزائر والمغرب، لذلك سنعمل على هذا الموضوع”. وأشار مستشار ترامب إلى أن وزير خارجية المغرب كان قد التقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قبل نحو أسبوعين، واصفا اللقاء بـ”المهم جدًا”، لكنه اعتبر أن الأهم كانت كلمة الوزير روبيو الذي أكد على الإسراع في الحل. ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تأتي لتعيد التوازن إلى الموقف الجزائري حول موضوع الصحراء، حيث ظل مسؤولو الجزائر يطالبون، منذ نصف قرن، بخلق كيان منفصل في الأقاليم الصحراوية، وهو طرح صار حاليا ومستقبلا يدخل في إطار المستحيل، لذلك يفترض بالجزائر الجنوح نحو حل وسط، وهذا الحل يسير رأسا نحو تبني الاقتراح المغربي بحكم ذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية. ويبدو الموقف الأمريكي الأخير يحمل في طياته جزرة وعصا، فهو يقدم فرصة تاريخية للجزائر لحفظ ماء الوجه، كما أنه يوجه لها إشارة واضحة وهي أن إصرارها على ما يسمى "تقرير المصير للشعب الصحراوي" سيجعلها بلدا منبوذا على المستوى العالمي، خصوصا في ظل الاعتراف الدولي المتواصل بسيادة المغرب على الصحراء. كما أن جبهة البوليساريو قد تجد نفسها قريبا تدخل في تصنيف "منظمة إرهابية"، وهو تصنيف قد يعجل بنهايتها، وبالتالي تفقد حتى خيار الحكم الذاتي. ولا تجد الجزائر نفسها حاليا أمام خيارات كثيرة، خصوصا بعد الموقف الفرنسي، وقبله الموقف الإسباني، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الجزائريين قد يكونوا وصلوا إلى قناعة ثابتة بأن هذا الملف يجب أن يطوى بشكل نهائي. ومما يعزز هذه الفرضية هو أن الجزائر، التي هددت وتوعدت باريس ومدريد، بعد دعمهما لمبدأ الحكم الذاتي في الصحراء، لم تستطع سوى التعبير عن أسف خجول بعد الموقف الأمريكي بالاعتراف بمغربية الصحراء، رغم أن قرار واشنطن أقوى بكثير من الموقفين الإسباني والفرنسي. كما أن الجزائر قد تجد نفسها خارج السياق الاقتصادي أيضا، خصوصا وأنها تطمح إلى تعزيز العديد من مجالات الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن، وفق ما طرحه مسؤولون جزائريون وأمريكيون. ومؤخرا وقعت شركة سوناطراك عدة اتفاقيات في مجال التنقيب وإنتاج المحروقات مع الشركات البترولية العملاقة مثل شيفرون وإكسون موبيل. كما أن السفير الجزائري لدى الولايات المتحدة، صبري بوقادوم، قد صرح مؤخرا بأن الجزائر والولايات المتحدة بصدد وضع خطط تنفيذية قصيرة المدى لتعزيز شراكتهما الأمنية، مع إمكانية عقد صفقات تسليح، وذلك في إطار الاتفاقية الثنائية الجديدة التي تم توقيعها في يناير الماضي. غير أن كل هذا الطموح الاقتصادي قد يجد نفسه أمام باب مسدود في حال اتخاذ الجزائر لموقف مناوئ لرغبة واشنطن في إقفال موضوع الصحراء بشكل نهائي.