فيل هائج في متحف قش: المدير الإقليمي للثقافة بتطوان يتسبب في احتقان كبير

المساء اليوم – تطوان:

في تطبيق لنظرية الهروب إلى الأمام، قرر المدير الإقليمي لوزارة الثقافة بتطوان، عبد الإله نفيس، وهو أستاذ سابق للرياضة البدنية، عزل مدير الثقافة بالمدينة وتنقيله إلى جهة أخرى، وذلك في توقيت متزامن مع احتجاجات متواصلة للفاعلين الثقافيين بالمدينة ضد سلوكيات المدير الذي يوصف بلقب “الكارثة الثقافية”.

ولم يكن قرار نفيس مفاجئا، حيث سبق له أن تحرش بعدد من الفاعلين في هذا المجال، خصوصا بالنسبة لمسؤولين لهم سمعة طيبة في المدينة ومعروفين بكفاءتهم وجديتهم في الميدان.

وخلف إعفاء الريحاني من منصب مدير دار الثقافة سخطا كبيرا في المدينة، على اعتبار أن الجميع كانوا ينتظرون إعفاء المدير الإقليمي، بالنظر لهزالة إنجازاته وتخلفه المهني وجهله المزمن بالقطاع وتورطه في مخالفات خطيرة كانت آخرها منح امتيازات لشركة تجارية مختصة في تقديم عروض للأطفال بمقابل مادي.

وكان فاعلون جمعويون في المدينة احتجوا مؤخرا على امتيازات منحها المدعو نفيس لشركة تجارية لتقديم عروض تجارية بمراكز تابعة لوزارة الثقافة، وتم إعفاء هذه الشركة من واجبات الكراء، في سابقة خطيرة.

وبدا مثيرا أن المديرة الجهوية للثقافة بجهة طنجة تطوان الحسيمة، زهور أمهاوش، غائبة تماما عما يجري، ويصفها مهتمون بأنها غارقة في النوم منذ حلت بالجهة، وتمضي وقتها في زيادة نسل القطط بمقر المديرية الجهوية أو التنقل بين طنجة والصويرة (وسنعود إلى التفاصيل لاحقا).

ويقول متتبعون للشأن الثقافي بتطوان إن المدير الإقليمي للثقافة يمثل عقوبة حقيقية لتطوان، ولكل المدن التي تم تعيينه فيها من قبل، حيث سبق أن أثار مشاكل كثيرة في مكناس وسطات.

ويعتبر المدير الإقليمي لوزارة الثقافة، الذي انتقل قبل أشهر إلى تطوان بسبب فشله في مدن أخرى، واحدا من أغرب المسؤولين في هذا القطاع، حيث يتم تنقيله بين مدينة وأخرى في مدة لا تتجاوز أحيانا الثلاثة أشهر، وهو ما جعل البعض يصفونه بأنه قطعة جمر تحاول كل مدينة التخلص منها بأسرع ما يمكن.

وبعدما أمضى هذا المسؤول بضعة أشهر في سطات، التي جاء إليها من وزارة التعليم، حيث كان أستاذا للتربية البدنية، تم تنقيله مجددا نحو مدينة مكناس بعد احتجاجات السطاتيين، وهناك بدأ الفاعلون في المجال الثقافي ينظمون الوقفات الاحتجاجية ويصدرون البيانات النقابية الغاضبة، قبل أن يتم التخلص منه ويتم إرساله إلى مدينة تطوان قبل شهر ونصف تقريبا.

ورغم هذه المدة القصيرة، فإن التطوانيين انتفضوا مبكرا ضد هذا المسؤول “الثقافي”، ووصفوه بنعوت كان يجدر بوزير الثقافة، المهدي بنسعيد، أن يتأملها جيدا، من بينها أن هذا المسؤول غير كفؤ وجاهل بتاريخ المدينة ولا يستقبل أحدا ويتصرف بعنجهية وكأنه يخفي خلف هذه السلوكات الغريبة ضعفا مزمنا.

ومنذ أن التحق المدير الإقليمي الجديد للثقافة بتطوان، فإن الوضع الثقافي بالمدينة بات يعرف احتقانا غير مسبوق، بحيث لا يبدو لهذا المسؤول أي أثر أو حضور في المدينة وكأنه شبح، ويوصف بأنه مدير تنقصه الخبرة والكفاءة اللازمتين لتسيير الشأن الثقافي بمدينة ذات تاريخ ثقافي عريق، مع ضعف كبير على مستوى خلق قنوات الحوار والتواصل مع الفاعلين الجمعويين وصناع المشهد الثقافي بالمدينة، وحتى مع السلطات المحلية، كما انخرط مؤخرا في لعبة رديئة تحت شعار “فرق تسد”.

وأعاد هذا الاحتقان الذي تعرفه تطوان ما عرفته من قبل مدينتا سطات ومكناس، حيث أمضى المدير الإقليمي فيهما أقل ما يمضيه اللقلاق بين المرعى وعشه، وهو ما يجعل كثيرين يتساءلون عن جدوى إلحاق أستاذ للتربية البدنية بقطاع الثقافة، لمجرد أنه كان مقربا من وزير ثقافة سابق ذهب مع رياح التعديل الحكومي زمن العثماني.

ويتبادل التطوانيوون صورا لاحتجاجات فاعلين في قطاع الثقافة بمكناس وهم يقولون إنهم قرؤوا الفاتحة على روح الثقافة بالمدينة مع تعيين هذا المسؤول في مدينتهم، بحيث يلزم سكان تطوان قراءة الفاتحة أيضا على الثقافة في مدينتهم كما حدث في سطات ومكناس.

ومن الغريب جدا أن هذا المسؤول يتنقل بين المدن بسرعة قياسية، علما أن المدير الإقليمي للثقافة غالبا ما يقضي أربع سنوات أو أكثر في مدينة واحدة، كما أن هذه المسؤولية تقتضي من صاحبها سنوات كثيرة من العمل والتنقل بين مختلف المصالح والدرجات لإدراكها؛ كما تتطلب في صاحبها خبرة واسعة بطبيعة المشاريع الثقافية وسبل مواكبتها تحت إشراف المصالح العمومية وبتعاون مع الهيئات المنتخبة، بالإضافة إلى إحاطة واسعة وخبرة ميدانية  بالبرمجة الثقافية والفنية وكيفية السهر على تفعيلها بما يستجيب ومتطلبات كل حاضرة؛ وضمن البرنامج الوطني للتنمية البشرية.

ومنذ أن حل هذا المسؤول بتطوان وهو يقفل على نفسه الأبواب ويتهرب من مقابلة الجميع، متذرعا بأن المدير الإقليمي لا يقابل أحدا..! بل إنه يغيب باستمرار عن اجتماعات العمالات ومختلف المصالح العمومية والمنتخبة؛ وغالبا ما يكلف أفرادا آخرين بحضورها بدلا عنه؛ ما جعل بعض المصالح العمومية تعلق التعامل معه؛ وما جعل منه مصدر احتجاج مجموعة من المنتخبين الذين اشتكوا انعدام التواصل معه.

كما أنه يتعسف في تطبيق قانون الأداء تجاه كل الجمعيات بخصوص استغلال المرافق الثقافية؛ وهو القانون الذي وضع خصيصا للفاعلين في القطاع الخاص والجمعيات الكبرى ذات الإمكانيات والأحزاب والهيئات السياسية قصد الرفع من مداخيل الوزارة، بينما هو بتصرف في هذه المرافق وكأنها ورثها عن خالته.

وتبدو الكرة الآن في مرمى وزير الثقافة، المهدي بنسعيد، الذي أصبح مطالبا بوضع حد لهذه المعضلة في أسرع وقت، وإلا فإن الخرق سيتسع على الراقع، فيتحول قطاع الثقافة بتطوان إلى فوضى عارمة بسبب خطأ فظيع تمثل في تعيين رجل لا علاقة له بالثقافة على قطاع غاية في الأهمية، وهو ما جعله يتصرف مثل فيل هائج في متحف قش.

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )