الجزائر تبدأ عملية “عقاب إسبانيا” وتبحث عن شراكة استراتيجية مع إيطاليا

المساء اليوم – أ. مرادي:

صار واضحا أن “الرد المزلزل” الذي توعدت الجزائر بتفعليه بعد قرار الحكومة الإسبانية الاعتراف بمقترح الحكم الذاتي في الصحراء، دخل حيز التنفيذ، بعد قرار بمراجعة أسعار الغاز الذي تبيعه الجزائر لمدريد، عبر مقاولات خاصة، فيما تسير الحكومة الجزائرية أيضا نحو عقد شراكات استراتيجية مع بلدان أوربية أخرى مثل إيطاليا.

وأعلنت الجزائر مؤخرا أنها ستراجع أسعار الغاز مع إسبانيا، بعد ارتفاع ملموس لهذه المادة الحيوية في الأسواق العالمية بفعل الحرب في أوكرانيا، فيما لن تحدث مراجعة الأسعار مع بلدان أخرى. وبقدر ما تسبب القرار الإسباني حول الصحراء في انعطافة سياسية كبيرة وأحدث رجة في العلاقات المتوسطية والعالمية، فإن الجزائر تحاول الرد على هذا القرار من خلال استعمال الأوراق التي لا تزال في يدها، وخصوصا ورقة الغاز، الذي تحول إلى “عملة ذهبية” في ظل الظروف الراهنة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا وتغير قواعد لعبة الشطرنج العالمية.

وفي الوقت الذي توصل رئيس الحكومة الإسباني، بيدرو سانشيز، بدعوة من العاهل المغربي، محمد السادس، لزيارة الرباط، فإن وفدا رفيع المستوى غادر الجزائر نحو العاصمة الإيطالية روما، من أجل عقد شراكات استراتيجية بين الجزائر وإيطاليا، وعلى رأسها شراكة في مجال الطاقة.

وترأس الوفد الجزائري إلى روما السكرتير العام لوزارة الخارجية الجزائرية، شكيب رشيد قايد، وهو ما يعني أن الدبلوماسية الجزائرية هي التي تتحكم في شؤون الاقتصاد، وأن الفكرة الوحيدة التي كانت تدور في رؤوس أعضاء الوفد الجزائري هو قرار إسبانيا حول الصحراء، بعد 47 سنة من موقف إسباني رسمي أقرب إلى الأطروحة التي تدعمها الجزائر، المساند الرسمي والرئيسي لجبهة البوليساريو، المطالبة بانفصال الصحراء.

وبدا مثيرا أنه في ختام زيارته للجزائر، قال رشيد قايد إن القرار الإسباني حول الصحراء “غير مفهوم”، وأن الجزائر “ستراجع الاتفاقات مع مدريد على جميع الأصعدة”، وأن “موضوع الصحراء حيوي بالنسبة للجزائر”. ويبدو أن الساسة الإيطاليين فهموا جيدا مغزى زيارة الوفد الجزائري فخصصوا استقبالا دافئا جدا لجيرانهم الجنوبيين، على مدى أربعة أيام، وهي مدة نادرا ما تستغرقها زيارة رسمية، لكن زيارة الوفد الجزائري إلى إيطاليا كانت استثنائية وتروم تبليغ عدة رسائل لعدد من الأطراف، ونواتها الصلبة تغير الموقف الإسباني بخصوص الصحراء.

ولم يكتف الإيطاليون بالاستقبال الدافئ، بل إن وزير الخارجية، لويجي دي مايو، قال إنه يريد عقد شراكات استراتيجية مع الجزائر من 360 درجة، خصوصا على مستوى الطاقة، وتكثيف التعاون الثنائي من أجل المساهمة في استقرار حوض البحر الأبيض المتوسط.

وفي نهاية الاجتماعات الإيطالية الجزائرية، التي شارك فيها أزيد من 60 عضوا من الطرفين، تم توقيع وثيقة اعتبرت بمثابة “خارطة طريق” للعلاقات المستقبلية بين الجزائر وروما.

غير أن هذه الزيارة الاستثنائية لا يتوقع منها أن تغير الكثير في معادلة دولية وإقليمية متغيرة بشكل كبير، لأن الجزائر فقدت، بشكل نهائي، تحكمها الطويل في موضوع الصحراء، وصارت مجرد لاعب إضافي في قضية ظهر بها لاعبون جدد أكثر قوة وفاعلية.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )