ريان مات.. ولكن..

المساء اليوم – هيأة التحرير: 

مات ريان.. فلذة كبدنا جميعا.. وفلذة كبد العالم.. لكنه ترك لنا وهجا غير مسبوق من التضامن والإحساس الجماعي بالتآزر وقيم التعاضد والتراحم، وهي قيم كدنا ننساها.

في كل بلدان العالم تحدث كوارث بشكل يومي، ويموت مئات الآلاف في حوادث سير أو غيرها، ويقضي الملايين مرضا أو غرقا أو لأسباب مختلفة، وقديما قال المتنبي: تعددت الأسباب والموت واحد.

لكن رغم أن الموت طقس يومي ومعتاد، إلا أن الشعوب تنهض وتتوحد حين يجد فرد من أفرادها نفسه في وضع كارثي أو مهدد بالموت ويحتاج إلى مساعدة الآخرين لنجدته، أو على الأقل للتضامن معه والدعاء له.

وفي تاريخ الشعوب أمثلة كثيرة تحول فيها التضامن من أجل إنقاذ الآخرين إلى أسطورة، وصارت الأسطورة إيقونة تحصن الإحساس الجماعي لهذه الشعوب بالوحدة والتضامن والإحساس بأنها جسد واحد.. رغم كل الاختلافات الظاهرة والباطنة.

ربما يجب أن نذكّر بمثال عمال مناجم الشيلي، الذين صاروا أسطورة حية، بعد أن حوصروا لأسابيع طويلة لمئات الأمتار تحت الأرض، وكانوا مهددين، في أية لحظة، بالموت جوعا واختناقا، لكن تجند الشعب الشيلي عن بكرة أبيه لإنقاذ هؤلاء العمال، وتحولت عملية الإنقاذ إلى ملحمة وصارت رمزا للكرامة والوحدة الوطنية ووحدة الشعب.. وفعلا تم الإنقاذ، ولا يزال الشيليون يحتفلون بهذا اليوم إلى الآن.

هناك أمثلة مشابهة كثيرة في مختلف بلدان العالم، وكلها تصب في نفس الإحساس الجماعي بالوحدة والكرامة، لأن أي فشل في عملية الإنقاذ سيحمل معاني كثيرة، أقلها أن البلد لا يهتم بحياة مواطنيه.. حتى لو كان، في الواقع، لا يهتم فعلا.

 إن أهم ما في الحالات المذكورة وغيرها، هي أنها لا تصبح قضية وطنية محصورة في بلد بعينه، بل يتابعها العالم كله، وتتحول إلى اختبار حقيقي للبلد المعني بإنقاذ وسلامة مواطنيه، فإما أن يحظى باحترام العالم، أو يسقط في الخزي والعار.

قضية الطفل ريان في شفشاون هي المثال المغربي الأوضح على هذا الإحساس الجماعي بالوحدة والكرامة، وأيضا الإحساس بصعوبة الاختبار أمام عيون العالم كله، لأن المغاربة لم يكونوا لوحدهم معنيين بتتبع وضع الطفل ريان لحظة بلحظة، بل تابعه مئات الملايين عبر العالم.

في النهاية لم تحدث المعجزة، ومات ابننا وابن العالم.. مات ريان.. لكنه ترك في طريقنا ضوءا.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )