مولاي عبد السلام.. الزاهد المجاهد

المساء اليوم: 

لم يكن مولاي عبد السلام معروفا في زمانه في القرن السادس بالطريقة التي يعرف بها اليوم وذلك لأسباب عديدة، أولها الظروف التي عاش فيها فترة حكم الموحدين، الذين كانوا يرون فيه ندا ينافس زعيمهم الروحي المهدي ابن تومرت، الذي قال بالمهداوية والمهدي المنتظر.

مولاي عبد السلام لم يجد مكانته في عالم التصوف إلا مع بروز دول الشرفاء في المغرب، وخاصة دولة السعديين ومن بعدها على الخصوص الدولة العلوية.

وحسب المؤرخين الذين بحثوا في نسب هذا الرجل، فإن نسبه متصل بالرسول (ص)، فهو من ذرية الإمام محمد مولى إدريس الأزهر مولى إدريس الأكبر دفين مدينة زرهون. ومولاي عبد السلام يعتبر الجد الأكبر لعائلة الكتانيين والعلميين والريسونيين وعدد آخر من الأشراف في المغرب.

عدد كبير من أحفاده أو أحفاد أخيه يمثلون الشرفاء العلميين بالمغرب، ورغم كل هذا فبالمقابل كان له تلميذ وحيد وهو الإمام الشاذلي، هذا الأخير الذي تفرعت عنه الطريقة الشاذلية بمختلف طرقها في العالم كله، خصوصا في مصر وبعض بلدان شمال إفريقيا.

والإمام الشاذلي يمثل المدرسة الحقيقية لمولاي عبد السلام بن مشيش، وكما عرف الشيخ بشخص واحد وتلميذ وحيد، عرف بإرث مقروء ومكتوب وحيد وهي الصلاة المشيشية. ويقول أحمد الخليع، الباحث في التراث الصوفي، إن هذه الصلاة لا نظير لها في التصوف ولم يؤلف في الصلوات على النبي مثلها.

اعتنى الناس بهذه الصلاة وتم نظمها شعريا وشرحوا معانيها وإشارتها وجعلوا أساس كلماتها كلها على الكتاب والسنة كما فعل الشيخ عبد الله بن الصديق، وسيدي أحمد بن عجيبة، وعبد المجيد بن كيران، وعبد الغني النابلسي، الذي يعتبر من شيوخ تصوف الأحناف في سوريا، والشيخ محمد البكري المصري.. وآخرون.

والجاري على ألسنة الناس أن مولاي عبد السلام مات مقتولا على يد “أبي الطواجن” سنة 624 هجرية، هذا الأخير الذي ادعى النبوة في مدينة سبتة وما حولها من قبيلة بني سعيد. لكن هناك رواية أخرى، وهي الأكثر رجحانا، وتقول  إن مولاي عبد السلام كان مجاهدا وعالما وقتلته الكنيسة الكاثوليكية بإيعاز منها وعلى يد أبي الطواجن بعدما وجدت الكنيسة موطئ قدم لها في المغرب، وبنيت كنيسة في مراكش أيام السلطان إدريس المأمون الموحدي، الذي تنازل للقشتاليين عن بعض ثغور المغرب والأندلس، وهو من أعطى لهم رخصة بناء الكنيسة بمراكش مقابل أن يدافعوا عنه ويحملوه الى سدة الحكم فدخل منهم عشرة آلاف جندي، وهذا ما فعلوه، فنصروه ونصروا أخاه وكل من جاء بعدهما بعد ذلك.

وقد كان  جيش القشتاليين بكامله يرأسه نصراني، وكان مولاي عبد السلام من أول الذين وقفوا ضد المد المسيحي القشتالي في دخوله إلى المغرب ويهيئ القبائل للقتال، خصوصا وأنه كان يوجد في موقع استراتيجي على غاية كبيرة من الأهمية العسكرية هو “جبل العلم”.

و”جبل العلم”، لا يزال إلى حد الآن مكانا على غاية كبيرة من الأهمية الجغرافية بحيث يمكن أن يُرى منه المحيط الأطلسي من العرائش الى طنجة بطريقة سهلة، وكذلك من طنجة الى سبتة، وهذه الأماكن هي التي كان يدخلها الجند المسيحيون إلى المغرب. فكان مولاي عبد السلام يرقب البحر ومن ثمة يحث الناس الجهاد ضد الكفار.

لازال منزل مولاي عبد السلام موجودا إلى اليوم في مدشر الطردان، لا يسكنه أحد لكنه بدأ يتآكل مع مرور الزمن ويتصدع لإهماله وعدم ترميمه.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )