المساء اليوم - طنجة: يسود استياء عام في طنجة بعد أن اكتسحت المئات من علامات "ممنوع الوقوف" شوارع طنجة الرئيسية والفرعية، بما فيها مواقف السيارات العامة وأمام العمارات وفي المجمعات السكنية. وتسببت هذه العلامات في كون الكثير من سكان المدينة وجدوا أنفسهم غير قادرين على ركن سياراتهم أمام مساكنهم أو في أحيائهم السكنية، وأحيانا يضطرون لركنها في أي مكان فارغ مهما كان بعيدا، تجنبا لحالة الازدحام غير المسبوق في المدينة في مجال ركن السيارات. ويقول السكان إنهم فوجئوا في الآونة الأخيرة بعملية سطو ممنهجة على شوارعهم، من خلال وضع الكثير من علامات ممنوع الوقوف، وهي علامات يتم وضعها في زمن قياسي، إلى درجة أن الكثير من أصحاب السيارات لا ينتبهون إلى وجودها، مما يجعلهم يتعرضون لجر سياراتهم إلى المحجز بحجة توقفها في مكان ممنوع. وفي الأيام القليلة الماضية، نبتت المئات من علامات ممنوع الوقوف في كل شوارع طنجة، والمثير أنها علامات تعني "ممنوع الوقوف والتوقف"، أي أن مجرد التوقف المؤقت ممنوع، حتى لو كان السائق داخل سيارته. هذه العلامات فاجأت سكان طنجة لأنه لم يسبقها أي إشعار، والأخطر أنه مباشرة بعد وضعها تبدأ سيارات الحجز في الطواف حول المدينة مثل نسور جائعة تبحث عن فرائس، وفي اليوم الواحد يتم جر عشرات السيارات إلى المحجز البلدي، الذي يصفه السكان بأنه "كارثة وطنية". ويزداد الوضع سوءا حينما يتم وضع علامات ممنوع الوقوف في شوارع موجودة مباشرة على حواف العمارات والإقامات السكنية، أي أن السكان يصبحون مضطرين للبحث عن أماكن ركن بعيدة، ويصبح ركن السيارة قريبا من محل السكن امتيازا كبيرا، وهو ما أدى، في كثير من الأحيان، إلى شجارات ومناوشات بين السكان بسبب أحقية ركن السيارات. ويحكي عدد من السكان كيف أنهم صاروا مضطرين لترك أعمالهم والعودة مبكرا إلى منازلهم من أجل العثور على مكان لركن سياراتهم، لأنهم يكونون مضطرين لنقل أبنائهم إلى المدارس في ساعات مبكرة من الصباح. لكن هذا الحملة الممنهجة من أجل منع الناس من ركن سياراتهم في الشوارع لا تنطلق من فراغ، فالسكان يقولون إن وراءها محاولات حثيثة من أجل رفع مداخل المستودعات الخاصة، وعلى رأسها مستودعات شركة "صوماجيك"، التي صارت كابوسا حقيقيا للسكان، ليس لأنها تبني مستودعات تخفف بها هذه المشكلة، بل لأنها تفاقم المشكلة وتطارد سيارات السكان في الشوارع البعيدة من أجل دفعها لدخول مستودعاتها. ولا تخفي "صوماجيك" هذا المعطى، فهي شركة تطمح إلى الربح بأية وسيلة، حتى لو تعلق الأمر بتحويل حياة الناس إلى مشاكل دائمة، وهي تقول بأنها أنشأت في المدينة قرابة 1500 مستودع لركن السيارات، أكبرها يتسع لركن 600 سيارة، مثل مرآب الكورنيش، أو 400 سيارة في مرآب ساحة الأمم، وأصغرها يتسع لحوالي 200 سيارة. وإذا كان من المفهوم أن عمل "صوماجيك" استثماري في الصميم ويهدف إلى الربح، لكن مطاردة سيارات المواطنين في كل مكان ووضع علامات ممنوع الوقوف في أمكنة كثيرة جدا يعتبر على قدر كبير من الخطورة واستفزازا حقيرا للمواطنين، لأنه حتى لو بنت "صوماجيك" الآلاف من مستودعات السيارات فإن طنجة ستظل تعاني بشكل مزمن من هذه الآفة. وخلال العقدين الأخيرين تحولت طنجة إلى عش ضبابير من حيث الأعداد القياسية للسيارات، وساعد على ذلك وجود مصانع للسيارات في المدينة تروج سياراتها بطرق مختلفة، يضاف إلى ذلك الهجرة المكثفة للمدينة من مختلف مناطق المغرب، وتوفر أسر كثيرة على أكثر من سيارة، وتحول أقبية العمارات إلى ملكية خاصة أو مقاهي ومخازن أو حتى معامل، بينما كان من المفترض أن تكون مرائب لسيارات السكان. وهناك ظاهرة على قدر كبير من الخطورة، وهي أن الأرصفة صارت مرائب حقيقية لركن السيارات، ولم تعد هناك أرصفة للمشاة إلا وفوقها سيارات لا تجد أمكنة مخصصة للوقوف. ويبدو أن الذين يخوضون حربا ضد سكان طنجة بوضع علامات الوقوف في كل مكان، لا يستوعبون أن ذلك سيصب المزيد من الزيت على النار، وأن هذا لا يعني سوى شيء واحد، وهو أن السلطات والمجالس المنتخبة قد فشلت تماما في حل هذه المعضلة، وعوض أن تبحث عن حلول واقعية، فإنها تهرب إلى الأمام وتحول حياة السكان إلى جحيم.