المساء اليوم - متابعة: ربما يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحد أكثر الشخصيات السياسية إثارةً للجدل، على مدار العقدين الماضيين، ومن الطبيعي أن تحتل صوره وأخباره مواقع التواصل الاجتماعي مع كل مواجهة جديدة يخوضها ضد الغرب. لكن المثير للجدل أن أخبار بوتين يجري تداولها بكثافة أيضًا في الأوقات العادية، وهي أخبار ليست كتلك المتعلقة بباقي رؤساء وسياسيّ العالم، داخل المؤتمرات الصحفية أو داخل أروقة مؤسسات الحكم خلال اللقاءات الرسمية التقليدية، أو حتى تلك الأخبار التي تكشف عن الجوانب الشخصية أو الإنسانية في حياة السياسيين. لكن في حياة الرئيس الروسي العديد من الأسرار، بعضها لم يعُد خفياً والبعض الآخر قد لا ينكشف يوماً، أو ربما بعد عشرات السنين. ولكن في عام 2015، قرر الرئيس الروسي أن يكشف بعض الغموض الذي طال جوانب طفولته، وخصوصاً هوية والدته الحقيقية، كما أن طفولة الرئيس الروسي تُعد حافلة بالأسئلة والأسرار والقصص غير الواضحة، لا يعلم إجابتها، وربما لن يعلم، إجابتها أحد إلا بوتين نفسه. ففي مقال أشبه بالسيرة الذاتية نُشر في مجلة (Russky Pioner)، تحدث الرئيس الروسي عن والده فلاديمير بوتين الأب ووالدته ماريا إيفانوفا بوتينا، وروى بالتفاصيل كيف أن حذاءها الذي اشتراه والده لها كان السبب في إنقاذ حياتها لتنجبه بعد 8 سنوات من تلك الحادثة. ووصف فلاديمير بوتين تجارب والديه في لينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية، تحت عنوان "الحياة شيء بسيط ولكنها قاسية"، حيث روى كيف نجا والده بأعجوبة من الموت في مهمة تابعة لشرطة NKVD أو الشرطة السرية، بالإضافة إلى إنقاذ والدته وفقدان شقيقه أثناء حصار لينينغراد (الآن سانت بطرسبرغ)، عند اندلاع الحرب حيث كان والده عاملاً في أحد مصانع المدينة. فعلى الرغم من أن والد بوتين كان لديه ما يسمى "تحفظ"، وهي وثيقة توفر الإعفاء من التجنيد، إلا أنه تم فرزه للعمل في الصناعة الدفاعية، ليتطوع بعدها للخدمة في الحزب الشيوعي، ويتم تعيينه في النهاية إلى فرقة NKVD (مفوضية الشعب للشؤون الداخلية، أو الشرطة السرية في ذلك الوقت). وخلال إحدى المهمات، وبسبب خيانة أحد العسكريين، تم القضاء على فرقته بالكامل تقريباً من قبل الألمان، الذين قتلوا 24 من رفاقه البالغ عددهم 27، لكن والد الرئيس الروسي، تمكن من البقاء على قيد الحياة بعد أن أمضى عدة ساعات في مستنقع، مختبئاً تحت الماء، ويتنفس من خلال قصبة بينما كان يسمع الجنود الألمان وهم يسيرون بجواره. بعد ذلك، تم إرسال والد بوتين إلى "نيفسكي بياتاشوك"، وهي بقعة صغيرة ولكنها مهمة للغاية على طول نهر نيفا بالقرب من لينينغراد، والتي احتلتها القوات السوفييتية على حساب عشرات الآلاف من الأرواح. أصيب الأب في مناوشة، ولكن أحد رفاقه الذي تصادف أن يكون أحد جيرانه من لينينغراد أنقذ حياته، حيث جرّه الرجل في البداية عبر النهر المتجمد الذي تلقى آثار الرصاص، ثم حمله على ظهره طوال الطريق إلى المستشفى. ووفق ما روى بوتين، أثناء وجود والده في المستشفى أعطى حصصه الغذائية لزوجته، والتي بدورها أعطتها إلى ابنها، شقيق فلاديمير. ولكن لسوء الحظ، سرعان ما اكتشف الأطباء هذا الأمر ومنعوها من زيارة زوجها المصاب. ويروي بوتين، في مقالة (Russky Pioner)، قصة إنقاذ والدته التي تبدو وكأنها معجزة، حيث يقول إنه عندما عاد الأب إلى المنزل من المستشفى بعد إصابته، رأى مسعفين ينقلون الجثث على نقالات، وتعرف على زوجته من بين القتلى بفضل حذائها الذي اشتراه لها. واقتناعاً منه بأنها لا تزال على قيد الحياة، طلب من المسعفين التوقف، لكنهم أجابوا بأنها لن تستطيع النجاة، وهي القصة نفسها التي رواها لهيلاري كلينتون في السابق، وفق ما نشرت في كتابها (Hard Choices) في 2014. ويحكي بوتين، "أخبرني والدي أنه وكز المسعفين بعكازيه وأجبرهم على نقلها إلى الشقة"، مضيفاً أن والده قام برعايتها حتى استعادت عافيتها، لتنجبه بعد عدة سنوات. وأشار الرئيس الروسي إلى أن والده كان من عائلة مكونة من 6 أشقاء، توفي 5 منهم في الحرب. كما قُتل بعض أقارب والدته في النزاع. وأكد في الوقت نفسه أن والديه لم يكرها الجنود الألمان. وينقل عن والدته ما قالته في طفولته، "كيف يمكن لأي شخص أن يكره هؤلاء الجنود! كانوا أناساً عاديين وماتوا أيضاً في المعركة. إنهم عمال مثلنا تماماً. لقد تم إرسالهم إلى الجبهة أيضاً". وكان بوتين بعد وصوله إلى الرئاسة، نشر سيرته الذاتية في أوائل عام 2000 بعنوان "الشخص الأول: صورة شخصية صريحة من قبل الرئيس الروسي". الكتاب نتاج مقابلة مطولة مع بوتين أجراها ثلاثة صحفيين روس، وفيها يقول، "لقد جئت من عائلة عادية، لم يخبرني والداي بأي شيء عن نفسيهما"، ولا سيما والده الذي يصفه بـ"الرجل الصامت"، مضيفاً، "أعرف عن عائلة والدي أكثر من عائلة أمي". من ناحية أخرى، وصف بوتين بالتفصيل كيف قاتل والده بشجاعة في الحرب العالمية الثانية، وزعم أن جده كان يعمل طاهياً للينين وستالين، بينما توفي شقيقاه اللذان يكبرانه، فيكتور وألبرت. كما تضمن الكتاب مداخلة من معلمته التي قالت إنه لم يكن من المعتاد أن تنجب امرأة في عمر الـ41 في الاتحاد السوفييتي آنذاك، وأنها توقعت له مستقبلاً باهراً. جدل حول والدة بوتين الحقيقية.. واقع أم أوهام؟ مطلع القرن الحالي دار جدل حول قصة سيدة تدعى فيرا بوتينا، والتي زعمت أن فلاديمير بوتين هو ابنها الحقيقي بعد فوزه بالانتخابات في عام 2000، وتعيش هذه السيدة في جورجيا وتقول إن والد بوتين روسي الجنسية، كان يعمل في تصليح السيارات ويدعى بلاتون بريفالوف، وأنها حملت منه بينما كان متزوجاً من امرأة أخرى. وكانت تحقيقات إعلامية استقصائية قد كشفت عن ولادة صبي يدعى فلاديمير بوتين في جورجيا عام 1959 -1960، وقالت فيرا بوتينا إنها بعد زواجها من جندي جورجي يدعى جورجي أوسبافيلي، تخلت عن ولدها وسلمته لوالدتها في روسيا. وتعتقد بوتينا أن عائلة بوتين المذكورة في سيرته الذاتية تبنته من جدّيه، وقالت لصحيفة (Telegraph) البريطانية إن عناصر من المخابرات الجورجية والروسية زاروها في محاولة لإسكاتها بينما أبدت استعدادها لإجراء فحص الحمض النووي. والأمور اللافتة في هذا الموضوع، وفاة الصحافي الروسي آريتوم بوروفيك بتحطم طائرة أثناء توجهه إلى تبيليسي لتصوير وثائقي عن طفولة بوتين في مارس 2000، كما قُتل الصحافي الإيطالي أنتونيو روسو، الذي كان يعد تقريراً عن طفولة بوتين أيضاً، إذ عُثر على جثته مقيدة اليدين على جانب الطريق على بعد حوالي 35 كيلومتراً شرق تبيليسي في صباح أكتوبر من 2000، بينما اختفت من غرفته بالفندق، كاميرته وهاتفه وحاسوبه المحمول، حسب ما نشر موقع (Zeit Online) الألماني.