ولد السالك لـ”المساء اليوم”: قضية الصحراء محسومة استراتيجيا لصالح المغرب

المساء اليوم – خديجة ركيبي:

تسلل بعض الدفء إلى العلاقات المغربية الموريتانية بعد زيارة وزير الخارجية الموريتاني للرباط، وهي  الزيارة التي اعتبرت مؤشرا على وجود مساع جادة للارتقاء بهذه العلاقات إلى مستوى أكثر فاعلية وتعميق الشراكة والتعاون، سيما في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة.

في هذا الحوار، مع “المساء اليوم“، يتحدث ديدي ولد السالك، أستاذ جامعي موريتاني، ورئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، عن محفزات تطوير العلاقات بين المغرب وموريتانيا وجعلها في مستوى الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمع البلدين الجارين، وعن الموقف الموريتاني من النزاع حول الصحراء ومدى إلزامية اتخاذ حياد “جديد” يتماشى مع التحولات الطارئة في المنطقة وغيرها من القضايا التي تهم البلدين.

  • ما هي الدلالات التي يمكن استخلاصها من زيارة وزير الخارجية الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد للمغرب؟ ثم ما هي دلالات التوقيت الذي اختير لهذه الزيارة، والذي تزامن مع الأزمة الدبلوماسية التي تشهدها العلاقات المغربية الإسبانية؟

– زيارة وزير الخارجية للمغرب تدخل في سياقين، السياق الأول هو تعزيز العلاقات الموريتانية المغربية وتفنيد ما راج في إعلام البلدين من كون العلاقات يشوبها بعض التوتر، وبالتالي فإن العلاقات الموريتانية المغربية ستتعزز خاصة في ظل النظام الحالي الموريتاني الذي يتميز بالاستقرار وبكونه يدير الأمور بهدوء، كما أن العلاقات بين البلدين استراتيجية وترتبط بالكثير من المصالح إضافة إلى العلاقات الأخوية والامتدادات الثقافية والاجتماعية والجغرافية.

 السياق الثاني هو أن حضور وزير الخارجية للمغرب وهي في قمة أزمتها مع إسبانيا، يفهم منه الدعم السياسي من موريتانيا للمغرب في مواجهتها لإسبانيا، عكس الكثير من الإخوة في المغرب العربي الذين لم يهتموا بهذه الأزمة ولم يقوموا بأي مبادرة لدعم المغرب، الذي لا يواجه فقط إسبانيا وإنما أوروبا متحدة خلف إسبانيا ضد المغرب.

  • هناك مساع لتطوير العلاقات المغربية الموريتانية والانتقال بها إلى مستوى أكثر فاعلية، وإعطائها الزخم الذي يليق بمستوى العلاقات التاريخية العميقة التي تجمع البلدين، ألا ترون أن هذه العلاقات تعاني من لعبة التوازن التي فرضها نزاع الصحراء؟

– طبعا العلاقات الموريتانية المغربية تضررت كثيرا من أزمة الصحراء وألقت بظلالها على العلاقات الثنائية وأيضا على العلاقات المغاربية بما فيها تعطيل المشروع المغاربي، لكن أعتقد الآن أن فرص تعزيز العلاقات بين البلدين تفرضه الكثير من الخيارات أو الكثير من القضايا ذات الطبيعة الاستراتيجية المصلحية.

أول هذه المصالح التشابك الاقتصادي المغربي الموريتاني، لأن السوق الموريتانية صارت تتغذى بكثير من احتياجاتها من السوق المغربية، إلى جانب تكاثف العلاقات الاجتماعية والثقافية والسياحية، والعامل الثاني أن الحدود الموريتانية المغربية صارت مفتوحة بشكل دائم.

المغرب حسم خياره وفتح معبر الكركارات بشكل دائم وبالتالي صار معبرا رسميا من جهة المغرب على أقل تقدير، وهذا يعني استمرار تدفق هذه البضائع عبره، ما يعطي ديمومة لهذه العلاقات.

 البعد الثالث هو التوجه المغربي إلى إفريقيا الذي يقوم على استراتيجية كبرى، أحد محاورها يمر عبر موريتانيا باعتبارها منفذ المغرب بريا لإفريقيا الغربية وإفريقيا جنوب الصحراء، ولعمق العلاقات التي تربط موريتانيا والمغرب والذي سيكون عامل دعم للحضور المغربي في إفريقيا.

  • عرفت المنطقة، في الفترة الأخيرة، مجموعة من المستجدات والتغيرات الجيوسياسية، لكن الموقف الموريتاني المتمترس وراء ما يسمى “حيادا إيجابيا” تجاه النزاع حول الصحراء لم يتغير؟ ألا تعتقد أن هامش الحسم لصالح طرف دون آخر بدأ يتسع خاصة في ظل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء؟

– بالفعل طرأت تغيرات كثيرة، أولا الرئيس الحالي سينظر بعمق وهدوء إلى العلاقات بين البلدين في اتجاه تمتينها، لأنه رجل رزين وهادئ وقد عبر عن رأيه بخصوص القضية الصحراوية وبأهمية تبني حياد إيجابي، على العكس في السابق الذي كان فيه الحياد سلبيا، المعطى الثاني هو أن المسألة في الصحراء أصبحت محسومة استراتيجيا لصالح المغرب، لأن الساكنة أغلبيتها صاروا مغاربة والمناطق الصحراوية في جنوب المغرب تشهد ازدهارا اقتصاديا وعمرانيا وستكون بوابة اقتصادية لإفريقيا، ثم إن قضية المعبر حسمت وصار معبرا مغربيا ثابتا، فضلا عن ذلك فالمتغيرات والتحولات السائرة تعزز المغرب ليكون دولة صاعدة وعندها حضور إفريقي كبير، كل هذه العوامل ستجعل موريتانيا تفكر إما في حسم موقفها نهائيا من قضية الصحراء، أو على الأقل ستسعى وتحرص على تمتين علاقتها مع المغرب لأن المملكة صارت محورا وحققت الكثير من النجاحات في العقد الأخير، لهذا فموريتانيا ملزمة بالتفكير في العلاقات وفق مقاربة رابح رابح، وتحويل العلاقات من علاقات عاطفية وتاريخية إلى علاقات فيها مصالح استراتيجية متبادلة.

  • هل موقف موريتانيا من النزاع حول الصحراء مبدأي ونهائي، أم أنها تحتاج إلى ضمانات إقليمية ودولية كي تتخلى عن حيادها وتعبر عن موقف واضح من المسألة الصحراوية، ما هي في هذه الحالة هاته الضمانات؟

– المعروف أن موريتانيا دولة ضعيفة ووضعها الداخلي هش رغم أن موقعها استراتيجي لكنه صعب. فموريتانيا تريد أن تحافظ على علاقاتها مع الجزائر أيضا لأنها دولة مؤثرة وقوية في المنطقة، لكن ذلك لا يعني أنها ستضحي بعلاقاتها الاستراتيجية مع المغرب للعوامل التي سبق أن ذكرتها، وبالتالي من المرجح أن يكون موقف موريتانيا بين أمرين، إما أن تتخذ حيادا إيجابيا فعالا بما يعنيه ذلك من سعي لإيجاد حل نهائي لهذه القضية التي عطلت مسار العلاقات المغاربية بشكل عام، أو قد تتخذ موقفا واضحا لصالح الوحدة الترابية المغربية إذا وجدت ضمانات معينة أو طرأت متغيرات تسمح بأن لا يؤثر أي موقف لصالح الوحدة الترابية المغربية على علاقتها بالجزائر، وأنا لا أرجح هذا الخيار في الأفق القريب، لكني أعتقد جازما بأن موريتانيا ستحافظ على  تطوير علاقتها مع المغرب وتحويل هذه العلاقة إلى ما سميته في محاضرة ألقيتها بجامعة محمد الخامس بالرباط السنة الماضية، باندماج ثنائي فعال أو اندماج ثلاثي بين المغرب وموريتانيا والسنغال لتشكيل قطب نموذجي لشراكة متبادلة وفق مقاربة “رابح رابح”.

  • ما مدى صحة ما يروج حول تعالي أصوات من داخل موريتانيا للمطالبة بإحداث شراكة استراتيجية بين البلدين، سيما في ظل تنامي الحديث حول وجود استثمارات ضخمة في الصحراء على أبواب موريتانيا، خاصة في ما يتعلق بمستقبل الكويرة الواجهة الأطلسية لنواذيبو، العاصمة الاقتصادية لموريتانيا، ومشروع إحداث طريق دولي يمر من المغرب عبر موريتانيا نحو السنغال، في اتجاه العمق الإفريقي؟ وهل برأيك تستطيع هاته الأصوات أن تؤثر في موقف الدولة الموريتانية وتدفعها إلى التوقف عن التفكير بعيدا عن مصالحها الاستراتيجية وإعادة ترتيب أولوياتها وتوجهاتها بما يخدم مصالحها؟

– الواقع أن الكثير من النخبة الموريتانية مقتنعون أن المغرب أصبح يشكل عمقا استراتيجيا وأنه قطع خطوات هامة في مجال التنمية والبنى التحتية، وأن موريتانيا تحتاج إلى أن تعمل شراكة اندماجية مع المغرب، وأنا من ضمن هؤلاء الذين يدعون لهذا الخيار، وإلى تحويل منطقة الكويرة من مصدر للصراع إلى منطقة حرة مشتركة بين البلدين لتطوير التبادل التجاري وتحقيق اندماج فعال، وجعلها طريقا سيارة تأتي من المغرب وتمر من الأراضي الموريتانية وتحقق هدفين، أولا تستكمل الطريق السيار المغاربي الذي كان من ضمن مشاريع اتحاد المغرب العربي وهو سيزيد من اندماج المنطقة المغاربية، وثانيا يكون حزاما استراتيجيا واحدا ومعبرا للأسواق الإفريقية التي هي أسواق واعدة في غرب إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، وطبعا هذه الأصوات المطالبة بتطوير العلاقات مع المغرب موجودة في النخبة الموريتانية، وجهودها قد تأتي أكلها إذا استمر الاستقرار في موريتانيا، سيما في ظل وعي متنام بضرورة التفكير ببراغماتية ووفق ما يخدم البلدين والشعبين اللذين من مصلحتهما تطوير مناطق الصحراء، وتحديدا الداخلة والكويرة ونواذيبو، وجعلها مناطق حرة مزدهرة كي تكون نموذجا للاندماج الناجح الذي تحتاجه المنطقة المغاربية والإفريقية بشكل عام.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )