المساء اليوم -متابعات: تحولت المائدة المستطيلة التي باعدت بين الرئيسين الروسي والفرنسي في لقائهما مؤخرا، إلى واقع ملموس بعد ازدياد تباعد وجهات النظر بين موسكو والعواصم الأوربية، وصارت الحرب وشيكة بين الطرفين رغم المجهودات الدبلوماسية المبذولة على أكثر من صعيد. وطالب الرئيس الأميركي جو بايدن مواطنيه في أوكرانيا بالمغادرة محذرا من حرب عالمية قد تنشب في أي لحظة "إن بدأ الروس والأميركيون في إطلاق النار على بعضهم". وجاءت هذه التصريحات على وقع تعثر دبلوماسي وتبادل للاتهامات بين المعسكرين بافتعال الأزمة. وقال بايدن إن الأمور قد تتدهور بسرعة في أوكرانيا في حال اندلاع الحرب، وإنه يجب على المواطنين الأميركيين مغادرتها في الوقت الحالي. وأضاف في مقابلة مع شبكة "إن بي سي" (NBC) أنه لن يرسل قوات إلى أوكرانيا لإجلاء الرعايا الأميركيين إذا حصل هناك غزو روسي. ونفى بايدن وجود أي سيناريو للإقدام على تلك الخطوة، قائلا إنه عندما يبدأ الأميركيون والروس في إطلاق النار على بعضهم البعض، فإن الأمر سيكون حربا عالمية. وكانت الخارجية الأميركية قد حذرت رعاياها الأميركيين من السفر إلى أوكرانيا وفق المستوى الرابع وهو الأعلى بسبب المخاوف المتزايدة من عمل عسكري من طرف روسيا. كما طالب بيان للخارجية الأميركية أولئك الموجودين في أوكرانيا بالمغادرة فورا عبر الوسائل التجارية أو الخاصة. وأوصت الوزارة في الوقت نفسه أولئك الذي يفضلون البقاء في أوكرانيا بالحرص على توخي الحذر الشديد بسبب العمليات القتالية المحتملة في حالة قيام روسيا بعمل عسكري. من جانبه، قال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) إن روسيا تشكل خطرا على أوكرانيا وهي من تستمر بتهديدها من خلال نشر قواتها على الحدود. وفي مقابلة مع الجزيرة، أضاف كيربي أن أي غزو روسي لأوكرانيا ستكون له تداعيات اقتصادية قاسية. إخفاق دبلوماسي في غضون ذلك، قالت روسيا وأوكرانيا إنهما أخفقتا في تحقيق أي انفراجة بعد يوم من المحادثات في برلين بين أطراف ما يسمى "صيغة النورمندي" لحل الأزمة الأوكرانية، وتضم روسيا وأوكرانيا إلى جانب فرنسا وألمانيا. وعقب المحادثات، قال المبعوث الروسي دميتري كوزاك إنه لم يتسن التوفيق بين تفسيرات روسيا وأوكرانيا المختلفة لاتفاق عام 2015 الذي يستهدف إنهاء القتال بين الانفصاليين المؤيدين لروسيا وقوات الحكومة الأوكرانية. في المقابل، قال مبعوث أوكرانيا أندري يرماك، إنه لم تتحقق انفراجة، لكن الجانبين اتفقا على مواصلة المحادثات. ويعد اجتماع برلين الثاني من بعد اجتماع مماثل كان قد عقد في باريس قبل أسبوعين. من جهته، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استمرار المحادثات بشأن الأزمة الأوكرانية بين بلاده وشركائها الأوروبيين والأميركيين علنا وخلف الأبواب المغلقة. وقال بوتين إنه يتوقع تلقي مكالمة هاتفية من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد أن يُنهي الأخير مشاوراته مع الدول الغربية. مغامرة وخيمة العواقب وفي خضم استمرار الحراك الدبلوماسي، اتهم مدير هيئة الاستخبارات الروسية الخارجية سيرغي ناريشكين الدول الغربية بدفع أوكرانيا باتجاه مغامرة عسكرية وخيمة العواقب، فيما أعلن حلف شمال الأطلسي (ناتو) التأهب لأسوأ سيناريو محتمل. من جهته، قال وزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا إن روسيا هي الجهة الوحيدة التي تتسبب في تصعيد عسكري. كما قال الأمين العام للناتو يانس ستولتنبرغ إن وزراء دفاع الحلف سيناقشون الأسبوع المقبل تعزيز القوات في جنوب وشرق أوروبا. من جانبه، وصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الوضع بالمقلق، في ظل الانتشار الكثيف للقوات الروسية في محيط أوكرانيا، لكنه قال إن قرارا بالحرب لم يتخذ بعد، رغم هذه الإجراءات. وفي وقت سابق أمس، أجرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس محادثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف في موسكو. وقالت وزيرة الخارجية البريطانية إن أمام روسيا خيارين، احترام سيادة أوكرانيا أو التصعيد وتداعياته، في حين وصف وزير الخارجية الروسي المباحثات معها بحوار الطرشان. وأكد لافروف أن بلاده لا ترغب بتهديد أحد، بل هي التي تتلقى التهديدات، مشيرا إلى أنه لا يستبعد إجلاء الموظفين الرئيسيين من السفارة الروسية في كييف، بعد إجراءات مماثلة لدول أخرى. وأعرب عن اعتقاده بأن الغرب يستخدم التصعيد في الملف الأوكراني لاستعادة شعبية الساسة الغربيين المنهارة، وفق وصفه. مناورات وتعزيزات ميدانيا، أعلنت وزارة الدفاع الروسية انطلاق تدريبات لقوات الردع السريع من روسيا وبيلاروسيا تحت اسم "عزيمة الاتحاد 2022" في الأراضي البيلاروسية. من جهتها، أكدت وزارة الدفاع البيلاروسية أن التدريبات التي تستمر عشرة أيام تحمل طابعا دفاعيا، ولا تمثل تهديدا للمجتمع الأوروبي أو الدول المجاورة. وفي المعسكر المقابل، أعلن وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي رزينكوف بدء مناورات عسكرية في كل أنحاء البلاد. وأضاف رزينكوف أن هذه المناورات ستُجرى في مناطق مقابلة للمناورات التي تجريها روسيا على حدودها، خاصة تلك التي انطلقت أمس الخميس على أراضي بيلاروسيا. وفي سياق متصل، نشر مراسل موقع "باز فيد" (BuzzFeed) الإخباري عددا من صور الأقمار الصناعية التقطت خلال الساعات الـ24 الماضية، قال إنها تظهر التعزيزات العسكرية الروسية المستمرة في شبه جزيرة القرم وروسيا البيضاء. وأضاف المراسل في تغريدة أن هذه الصور تكشف عمليات الانتشار الجديدة والواسعة في جميع أنحاء المنطقة. في الأثناء، قالت وزارة الدفاع الروسية إن 65 طائرة أجنبية أجرت عمليات استطلاع قرب الأجواء الروسية خلال الأسبوع الأخير. وصول قاذفات في المقابل، أعلنت القوات الجوية الأميركية عن وصول أربع قاذفات "بي 52 ستراتو فورترس" (B52 Stratofortress) إلى قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني للمشاركة في تدريبات جوية مشتركة. وقالت في بيان إن الطائرات الأربع أقلعت من قاعدة "مينوت" الجوية بداكوتا الشمالية، ووصلت إلى قاعدة "راف فيرفورد" البريطانية للتدريب على مهام القوة الأميركية الأوروبية المشتركة. واستبعد إريك أنتوني المتحدث باسم القوات الجوية الأميركية في أوروبا وأفريقيا أن يكون وصول الطائرات ردا على التوتر الراهن بين أوكرانيا وروسيا.