المساء اليوم – حسنية أسقال: في تغيير جذري لموقفها بشأن ملف الوحدة الترابية المغربية، أعلنت إسبانيا الجمعة دعم الموقف المغربي علناً وللمرة الأولى ودخول "مرحلة جديدة" في العلاقات مع الرباط. الخطوة كان لها وقع الزلزال عند البعض كما أن تبعاتها كانت متباينة على جميع الأصعدة، ففي الوقت الذي ثمنت الرباط عاليا المواقف الإيجابية والالتزامات البناءة لإسبانيا بخصوص قضية الصحراء المغربية، أعلنت الجزائر عن "صدمتها" من القرار واستدعت سفيرها لدى مدريد على وجه السرعة دون توضيحات ودون الخوض في ارتدادات القرار الإسباني على العلاقة بين البلدين. أما على الجانب الإسباني فإن القرار كان له أثر الزوبعة في الأوساط السياسة والإعلامية، ويشي ببوادر انقسام داخل حكومة بيدرو سانشيز "الائتلافية التقدمية"، واتساع الشرخ بين (الحزب الإشتراكي) وحليفه الحكومي حزب (بوديموس) اليساري الراديكالي، فيما اعتبرت أوساط حزبية إسبانية أخرى، تغيير موقف مدريد "استقالة إسبانية من الملف الصحراء"، وأن وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس كان "لاعباً ضعيفاً في لعبة شطرنج غريبة، قام خلالها نظيره ناصر بوريطة بوضعه تحت التهديد والمراقبة، وقد خسر". ولعل أبرز ردود الفعل على قرار "قصر مونكلوا" كان مقال الأمين العام السابق لحزب (بوديموس)، بابلو إيغليسياس في الصحيفة الرقمية "Contexto y Acción". إيغليسياس الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشير، قبل أن ينسحب من الحياة السياسية، بعد الهزيمة الانتخابية لليسار في الانتخابات الجهوية بمدريد، وصف قرار سانشيز، بـ"الضربة الباردة والسريعة والمُتسقة مع مواقف دول، كالولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، التي أقرت بواقع، النفوذ المغربي". ففي مقال تحت عنوان (سانشيز.. الصحراويون وحركة بوديموس)، قال إيغليسياس، "رغم أن الخداع أمر مكروه في بعض الأنشطة، إلاَّ أن استخدامه في الحرب جدير بالثناء والتمجيد، والذي يهزم عدواً بالخداع يستحق نفس القدر من الثناء الذي يستحقه الذي يحققه بالقوة، ورئيس الحكومة سانشيز تجسيدٌ حيٌ لهذه الخصلة السياسية، فقراره في الـ18 من مارس، فاجأ مرة أخرى المُقربين قبل الغرباء، حيث سدد سانشير، ما أسماه إيغليسياس، بـطعنة دقيقة في حق الصحراويين في الحرية وحق تقرير المصير الذي اعترفت به الأمم المتحدة في الـ29 من أبريل 1991 بالقرار 690". وأضاف إيغليسياس "القوة لها أهميتها في السياسة الدولية وليس في القانون، من ينكر ذلك إما ساذج أو مُنافق، لكن يتعين أولاً حل لُغز القرار الحكومي بشأن المغرب، وما إذا كان مُتفقٌ عليه مع الجزائر، بحيث لا يؤثر على إمدادات الغاز لإسبانيا، ويُفترض أن يكون الجواب هو نعم، وإلاَّ فإن سانشيز ووزير خارجيته لم يتحلوا بالحكمة اللازمة لممارسة السلطات المخولة لهم، قد يتم انتقادهم لعدم كونهم يساريين، ولكن ليس لكونهم أغبياء". وحذر إيغليسياس حزبه (بوديموس) قائلاً "على المرء إذن أن يكون ثعلباً ليواجه الفخاخ ويكون أيضاً أسداً ليُخيف الذئاب، فحذار من سانشيز ومحكمة الأصوات التقدمية في مختلف وسائل الإعلام، والتي سوف تقول إنه من أجل الترابط والتماسك يجب على بوديموس ترك الحكومة"، مُشيراً إلى أن "سانشيز يُفضل أن يحكم دون (بوديموس) ما تبقى من فترته الرئاسية وإن كان لا يستطيع التفوه بها، منطقياً". وتابع "سانشيز يُدرك تمام الإدراك أنه سيدفع ثمنا باهظا إذا ما قام بطرد (بوديموس) من الحكومة، وهو يستطيع أن يفعل ذلك غداً إذا أراد، واتخاذ قرار أن تخسر الحكومة 34 نائباً أساسياً، لكني أعتقد أن (بوديموس) عليه أن لا يقع في فخ الاستفزازات، وأن حق تقرير المصير للصحراء، يجب الدفاع عنه في إطار القانون الدولي، كما يجب الشرح بهدوء أن (الحزب الاشتراكي)، شريك ضروري للحكومة لوضع سياسات تقدمية، ولكنه ليس بالضرورة قوة سياسية يسارية، رغم أن قواعده الانتخابية ومناضليه يساريين، وبالتالي علينا أن نكون حازمين ولا نستسلم لمطالب الآخرين". الدبلوماسية الجزائرية تحت وقع صدمة "الموقف الإسباني" على الجانب الآخر، شكل قرار مدريد الداعم لمقاربة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، صدمة للجزائر وأربك، تابعتها، جبهة البوليساريو التي فقدت أغلب داعميها وتحولت إلى عبء على حكومة عبد المجيد تبون، في ظل أصوات داخلية مُطالبة بـ"وقف الاستثمار المكلف في الجبهة والتفكير في تحويل الأموال التي تُدفع لها إلى مشاريع لخدمة الجزائريين". حكومة تبون لم تجد بُداً من استدعاء سفيرها لدى مدريد سعيد موسى للتشاور، احتجاجا على ما اعتبرته "الانقلاب المفاجئ" في موقف حكومة سانشيز، دون توضيحات ودون الخوض في ارتدادات القرار الإسباني على العلاقة بين البلدين، وإن كانت مدريد قد أكدت السبت الماضي أنها أبلغت الجزائر مسبقا بدعمها لمقترح المغرب القاضي بمنح حكم ذاتي للصحراء المغربية، وأنه "بالنسبة لإسبانيا، فإن الجزائر هي شريك استراتيجي ذات أولوية وموثوق نرغب في الحفاظ على علاقة مميزة معه". وحسب مراقبين، فإن "الجزائر لا تمتلك من ورقة ضغط سوى استدعاء السفير، وأنها لا تقدر على أي مغامرة جديدة للتصعيد خاصة في موضوع الغاز"، مشيرين إلى أن خسارتها لتزويد المغرب بالغاز قد تتضاعف إذا ما فكرت في خطوة مماثلة مع إسبانيا لأن "الأمر سيتحول إلى قضية أوروبية في وضع لن يتحمل فيه الاتحاد الأوروبي أي مزايدة من الجزائر، وإن حصل التصعيد فستكون نتائجه كبيرة على النظام الجزائري". البوليساريو المعزولة تطالب بتصحيح "الخطأ الفادح" الصدمة امتدت إلى البوليساريو المعزولة، حيث انتقدت الجبهة اعتراف إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي، وكعادتها سعت لاستمالة الأحزاب الإسبانية بدعوة "القوى السياسية في مدريد إلى الضغط على الحكومة لتصحيح، ما وصفته، "بالخطا الفادح لحكومة سانشيز"، زاعمة أن "الموقف المعبر عنه من لدن الحكومة الإسبانية يتناقض مع الشرعية الدولية". كما حمّل بيان البوليساريو إسبانيا ومعها فرنسا، باعتبارهما قوتين مستعمرتين سابقتين، مسؤولية "الدفاع عن الحدود الدولية المعترف بها بين الصحراء المغربية وجيرانها الثلاثة، المغرب والجزائر وموريتانيا". لكن الجبهة لم تعلن عن أي خطة للرد على هذا الموقف الإسباني، وهو موقف يقول مراقبون إنه يمثل بداية النهاية بعد أن خسرت آخر داعميها في أوروبا، (أي إسبانيا) التي كانت تستمد من مواقفها "شرعية" تحركاتها كونها المستعمر السابق. حيثيات ومسوغات القرار الإسباني.. أوساط سياسية مُطلعة قالت إن القصر الملكي الإسباني كان له دور مُهم في حل الأزمة الإسبانية المغربية الأخيرة، وأن العاهل فيليبي السادس، (الذي لجأت إليه الحكومة الإسبانية من أجل إيجاد حل للأزمة مع الرباط)، أسهم بطريقة أو بأخرى في تغيير موقف حكومة سانشيز والسير قُدما نحو دعم مبادرة الحكم الذاتي الذي اعتبره المغرب أقصى ما يمكن أن يُقدمه في هذا الملف". كما أن "طول النفس" للدبلوماسية المغربية وعدم التسامح في الأولويات كانا من العوامل الأساسية في إعادة نسج العلاقات بين الرباط ومدريد على أسس متوافق بشأنها، وعلى رأسها اعتراف ضمني بمغربية الصحراء، وبناء علاقة جديدة تقوم على الشفافية والتواصل الدائم، والامتناع عن كل عمل أحادي الجانب. التعاطي الإسباني غير المسبوق والجديد مع ملف الصحراء المغربية، يوضح أن الحكومة الإسبانية تلعب الآن ورقة المصالح المتبادلة مع المغرب الشريك الاستراتيجي الذي تتقاسم معه العديد من الملفات الثنائية، والتي كانت دافعاً قوياً لاتخاذ قرار من هذا الحجم، فالموقف الإسباني اعتبره مراقبون "انتصارا جديدا للمغرب بعد الانتصار الذي حققه من خلال التغيير الذي حصل في الموقف الألماني وقبله الموقف الأميركي في عهد دونالد ترامب ولاحقا في عهد جو بايدن". واعتبروا اعتراف دول غربية بالوحدة الترابية للمغرب "سيفتح الطريق أمام تطورات مهمة من بينها تسوية الخلافات مع أوروبا في ما يتعلق بصادرات الأقاليم الجنوبية"، وأن المغرب بالخطوة الإسبانية الأخيرة "يكون قد عزل الجزائر والبوليساريو، ولم يبق أمامهما سوى بؤر صغيرة في إفريقيا "سيتم التغلب عليها تدريجيا من خلال استراتيجية مغربية تقوم على الاستثمار الاقتصادي في القارة وتنويع الشراكات وبناء تحالفات على قاعدة المصالح، وهو ملعب لا تقدر الجزائر على المنافسة فيه"، وفق مراقبين.