سعيد اوقسو إن النظرة التقليدية عن التعليم الأولي كانت – ولا تزال – سائدة لدى الكثير من الناس، بحيث ينظر إلى مرحلة ما قبل التمدرس من طرف العديد من الأفراد نظرة لم تصل بعد لمرحلة الفهم الموضوعي للسيرورة التعليمية-التعلمية، أو النظر إليه كمرحلة ثانوية ما قبل التعلم؛ فهو عبارة عن فضاء تتم فيه حراسة الأطفال عند البعض، أو هو فضاء يودع فيه الأطفال للتخلص منهم مدة زمنية معينة تسمح للآباء بقضاء مستلزماتهم الشخصية وإنجاز الأشغال الذاتية ولو لوقت قليل عند البعض الآخر، ومرد ذلك إلى أن هذه المرحلة تتطلب اهتماما خاصا وفهما صحيحا لسن المتعلم ولسلوكياته بعيدا عن منطق "الاهتمام بالأعمال المنزلية والخاصة". وعلى هذا الأساس؛ يحاول كثير من المتدخلين في القطاع التحسيس والتوعية بأهمية التعليم الاولي، وبالدور الذي يلعبه في تهيء الطفل للمرحلة القادمة؛ فمرحلة التعليم الاولي مرحلة أساسية في حياة الفرد، تساهم في إعداد الطفل من جميع الجوانب وتأهيله للانفتاح على ذاته وعلى الأطفال الذين هم في سنه، وكذا إذكاء روح الجماعة وإقصاء النزعة الفردية وفق تدرج معين يتيح له فرصة التعلم والاستيعاب، ويدرك طبيعة الانتقال المعرفي من محيطه الأسري إلى محيطه المجتمعي، الذي (الانتقال) يتم عن طريق تشجيعه لاكتشاف ذاته وتنمية قدراته وكل المتوقع منه في زمان ومكان محددين. في هذا السياق؛ تأتي - مشكورة - جهود المؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي، والتي تركز، منذ تأسيسها سنة 2008 حتى الآن، كل جهودها لخدمة الطفولة الصغرى، وهي تدرك تمام الإدراك أهمية المرحلة محاولة تصحيح بعض المفاهيم المتعلقة بهذه المرحلة، في الوقت الذي كان الكثير من المتدخلين يتخبطون في هذا المجال دون فهم أعمق لطبيعتها العمرية. إن المؤسسة واعية تمام الوعي بأهمية الارتقاء بالتعليم الأولي وتربية الطفل والاهتمام بتكوينه واعداده نفسيا واجتماعيا، ليصبح قادرا على الانخراط في المجتمع، واكتساب مجموعة من التعلمات في قالب من المتعة والترفيه، وجعل الطفل العنصر الأساسي في العملية التعليمة- التعلمية، الأمر الذي يدفعها إلى مواصلة وتعبئة أطرها من أجل فهم أكثر لهذه المرحلة، خاصة المربين والمربيات الذين يتفاعلون مع الأطفال بشكل مباشر. ومن أجل ذلك، وضعت المؤسسة برنامجا للتكوين خاص بالمربين والمربيات، حيث يستفيد كل مربي(ة) من تكوين أساسي يصل إلى 400 ساعة، ليلتحقوا بعدها بوحداتهم ومقرات عملهم؛ كما يستفيد من 550 ساعة كتكوين تكميلي يمتد طول السنة، وهو ما يصل إلى 950 ساعة في المجموع. يهدف ذلك إلى جعل المربي(ة) يعي ويدرك خصوصيات هذه المرحلة بأهميتها الكبرى في تكوين شخصية الفرد، وأن يمتلك ما يكفي من القدرات التي تمكنه من تعلم مهارات التعامل مع الأطفال ومعرفة حاجياتهم الأساسية والعمل على تطوير قدراتهم في جوانب مختلفة لا سيما النفسية منها. اليوم بدأت بوادر النتائج تظهر من خلال نتائج التحصيل الدراسي في مرحلة التمدرس وبشهادة عدد كبير من الأستاذة الذين لاحظوا فرقا كبيرا بين الأطفال الذين استفادوا من التعليم الأولي الذي تشرف عليه المؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي، وبين الأطفال الذين لم يستفيدوا نهائيا من التعليم الأولي؛ وهو إنجاز كبير للمؤسسة بتعاون مع شركائها الآخرين، لا سيما المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين ووزارة الداخلية و وزارة التربية الوطنية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين وغيرهم من الشركاء.