المساء اليوم – ح. اعديّل: اليوم هو 14 فبراير 2024، وبذلك تكون قد مرت خمسة قرون و22 عاما بالتمام، على ما يسميه المؤرخون “النكبة الأندلسية الثانية”، حين تم منع كل المظاهر الثقافية والدينية والاجتماعية للأندلسيين في كل مناطق شبه الجزيرة الإيبيرية، التي كانت تحمل اسم الأندلس لثمانية قرون، قبل أن تسقط رسميا سنة 1492 وتقوم محلها عدد من الممالك المسيحية، التي توحدت لاحقا وصارت تحمل اسم مملكة إسبانيا الحالية. ويجمع المؤرخون على أن 14 فبراير يؤرخ لنكبة إنسانية كبرى، وذلك حين أصدرت الملكة الكاثوليكية، إيزابيلا، قرارا يوم 14 فبراير 1502، يقضي بحرمان الأندلسيين المسلمين في الأندلس المنهارة من كامل حقوقهم ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية. وعلى الرغم من أن معاهدة تسليم غرناطة سنة 1492، تضمنت بنودا صريحة بالحفاظ على عادات وتقاليد وثقافة الأندلسيين وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، إلا أن قرار 14 فبراير جاء لينقض كل ذلك، بل كان بداية لقيام واحدة من أبشع مظاهر القمع والتنكيل. وتلا قرار 14 فبراير إقامة محاكم متوحشة سميت “محاكم التفتيش”، التي نكلت بالأندلسيين وتتبعت تفاصيل حياتهم، حتى داخل منازلهم، وقامت بإحراقهم أحياء في الساحات العامة وتعذيبهم بأكثر الوسائل وحشية وطردهم من بلادهم. وترصدت هذه المحاكم، التي تعتبر الأبشع في التاريخ، حياة الأندلسيين الذين بقوا في شبه الجزيرة الإيبيرية، بمن فيهم أولئك الذين أعلنوا تنصرهم ظاهريا، وكانت تحاكمهم وتقتلهم لأصغر التفاصيل، بما في ذلك الطهي بزيت الزيتون. وشكل يوم 14 فبراير نقضا لكل العهود التي منحت للشعب الأندلسي المنكوب بعد سقوط غرناطة، آخر قلاع الأندلس، وصار الأندلسيون يحملون لقب “موريسكيون”، في تشبيه احتقاري، وتم بيع الكثيرين منهم في سوق النخاسة، كما تم سلب أطفالهم وتسليمهم للكنائس لتنشئتهم رهبانا، أو تربيتهم كجنود كاثوليك. ويعتبر المؤرخون أنه منذ يوم 14 فبراير، بدأت معاناة رهيبة للموريسكيين، حيث قتل منهم أعداد كبيرة وتم اعتماد تعذيب ممنهج غير مسبوق من طرف الكنيسة الكاثوليكية، والذين افلتوا من بين الأندلسيين لجؤوا إلى الجبال والمناطق المنعزلة وسكن كثيرون الكهوف أو التحقوا بمن سبقوهم في أصقاع الأرض. وتشرد الأندلسيون في كل أصقاع الأرض، بما في ذلك القارة الأمريكية، كما لجأت نسبة مهمة منهم إلى المغرب، ويقدر المؤرخون أعداد أحفاد الأندلسيين في المغرب بأزيد من 7 ملايين، موزعين على مختلف مناطق البلاد.