المساء اليوم: انتخب حزب المحافظين البريطاني اليوم الإثنين ريشي سوناك رئيساً له، وسيصبح بالتالي وزير المالية السابق، ابن الـ42 عاماً، رئيس الوزراء الجديد في البلاد، بعدما فشلت منافسته بيني موردنت في تأمين الأصوات الـ100 اللازمة لدعم ترشيحها من قبل زملائها النواب. ووصل سوناك إلى "داونينغ ستريت" وسط الكثير من الارتباك السياسي والاقتصادي، والحزبي أيضاً، ورغم أنه حصل على دعم أكثر من نصف عدد نوّاب البرلمان، إلاّ أن العدد المتبقّي منقسم وتبدّده خلافات أساسية وقد يحلو له أن يثور ويتمرّد وينقلب عند أقرب فرصة متاحة، في ظل الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار الطاقة والوقود والحرب الروسية المستمرة وملفّات داخلية عالقة. من هو ريشي سوناك؟ وُلد سوناك في ساوثهامبتون عام 1980 من عائلة من أصول مهاجرة، حيث هاجر أجداده من البنجاب في شمال غرب الهند إلى شرق إفريقيا، بعدها هاجر والداه في الستينيات إلى إنجلترا، كان والده طبيباً عاماً، أما والدته فتدير صيدليتها الخاصة. درس سوناك في "وينشيستر كوليدج" المرموقة، ثم التحق بجامعة "أكسفورد"، وبعد تخرجه منها في عام 2001، أصبح سوناك محللًا في شركة Goldman Sachs، وعمل في شركة الخدمات المصرفية الاستثمارية حتى عام 2004. لكن بصفته باحثاً في برنامج فولبرايت، تابع بعد ذلك درجة الماجستير في إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد، حيث التقى بزوجته المستقبلية، أكشاتا مورثي، ابنة نارايانا مورثي، الملياردير الهندي وأحد مؤسسي عملاق التكنولوجيا Infosys. وبفضل نجاحه في الأعمال التجارية وحصة زوجته البالغة 0.91% في Infosys، بدأ الزوجان في جمع ثروة كبيرة، والتي تقدر بنحو 730 مليون جنيه إسترليني (877 مليون دولار) في عام 2022 بحسب صحيفة "صنداي تايمز". الحياة السياسية في عام 2010 بدأ سوناك العمل لحزب المحافظين، وخلال هذه الفترة انخرط أيضًا في Policy Exchange، وهي مؤسسة بحثية رائدة في مجال المحافظين، حيث أصبح رئيساً لوحدة أبحاث السود والأقليات العرقية (BME) في عام 2014. وفي ذلك العام نشر موقع Policy Exchange كتاباً بعنوان "صورة بريطانيا الحديثة"، وهو كتيب كتبه سوناك مع ساراتا راجيسواران، نائب رئيس الوحدة. عام 2014، تم اختياره كمرشح حزب المحافظين لمجلس العموم ممثلاً لريتشموند في شمال يوركشاير، وهو مقعد في شمال إنجلترا شغله لفترة طويلة زعيم الحزب (1997-2001) ويليام هيغ. ثم أعيد انتخابه للبرلمان في عامي 2017 و2019، وصوت ثلاث مرات لصالح خطط رئيسة الوزراء تيريزا ماي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن 2015 إلى 2017 كان عضواً في لجنة اختيار البيئة والغذاء والشؤون الريفية وسكرتيراً برلمانياً خاصاً في وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية. في يناير 2018 تم تعيينه في أول منصب وزاري له كوكيل دولة بوزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي. مؤيد قوي لجونسون وأصبح سوناك مؤيداً قوياً لسعي بوريس جونسون لقيادة الحزب، وعندما أصبح الأخير زعيماً ورئيساً للوزراء، كافأه بترقية، وعينه رئيس السكرتارية بوزارة المالية في يوليو 2019. لكن خلال فترة توليه منصب الرجل الثاني في وزارة المالية، تصاعدت التوترات بين رئيسه، وزير المالية ساجيد جافيد، وجونسون، ثم عندما استقال جافيد في فبراير 2020، استبدله جونسون بسوناك، الذي أصبح، في سن 39، رابع أصغر شخص يتولى هذا المنصب على الإطلاق. وعلى الفور تقريباً، واجهت ريشي التحديات المتعددة التي أحدثها وصول جائحة فيروس كورونا إلى بريطانيا، فأسس برنامج دعم اقتصادي واسع النطاق خصص حوالي 330 مليار جنيه إسترليني (400 مليار دولار) في شكل أموال طارئة للشركات. كما دعم رواتب العمال بهدف الاحتفاظ بالوظائف وتخفيف عبء الإغلاق على الأفراد والشركات على حد سواء. فيما حظيت برامج الإنقاذ هذه بشعبية كبيرة، وأصبح سوناك وجه الحكومة اللامع في المؤتمرات الصحافية اليومية حيث بدا رئيس الوزراء أقل اتزاناً. وينتظر الآن ملايين الناخبين الإعلان عن الاستراتيجية الاقتصادية لرئيس الحكومة الجديد، وهو المتهم من "حزب العمال" المعارض بعدم امتلاك أي خطة، حيث وجّهت له انتقادات لاذعة "لتسلّمه مفاتيح البلاد دون أن يتفوّه ولا بكلمة واحدة عن الكيفية التي سيحكم بها"، خاصة وأن لجنة عام 1922 تجنّبت سباقاً تقليدياً كالذي جرى قبل شهرين تفادياً للمزيد من الفوضى. كما ينتظر المراقبون التشكيلة الحكومية التي سيعلن عنها سوناك في وقت لاحق بعد أن يلتقي بالملك تشارلز الثالث، وتشير المعطيات إلى أنها قد تكون تشكيلة إنقاذية، بحيث تعكس بعض التنوّع في سعي إلى توحيد الصفوف. ومن المتوقع أن يحتفظ المستشار ووزير المالية جيرمي هانت بمنصبه وهو الحليف لسوناك، كما من المتوقع أيضاً أن يبقى وزير الدفاع بن والاس في منصبه. يُذكر أن بريتي باتيل، وزيرة الداخلية المستقيلة من حكومة تراس، أعلنت قبل يومين عن دعمها لجونسون، إلا أنها عدّلت موقفها بعد انسحابه من السباق وأعلنت عن دعمها لسوناك، كذلك الأمر مع النائب نديم زهاوي الذي دعم سوناك بعد دعمه للزعيم السابق. يبقى أن أياماً وأسابيع صعبة بانتظار سوناك على كل الأصعدة، إن كان في قلب الحزب أو في المحيط الأوسع لدى الناخبين البريطانيين أو على الساحة الدولية. عوامل كثيرة ستتحكّم بنجاحه أو بفشله، على رأسها قدرة أعضاء الحزب على تنحية مشاكلهم وتوحيد صفوفهم ودعم زعيمهم الجديد وتضييق الطريق أمام ثورات جديدة أو انقلابات.