المساء اليوم – حسنية أسقال: منذ الإعلان عن تمديد اللاعب الفرنسي كيليان مبابي لعقده مع نادي باريس سان جيرمان، واسم القطري ناصر الخليفي يتداول في وسائل الإعلام العربية والعالمية، فالرجل حسم صفقة التجديد حتى العام 2025 بعد منافسة ماراثونية مع ريال مدريد الإسباني أحد كبار الأندية الأوروبية.. يُقال إن أمير قطر والخليفي وجهان لعملة واحدة.. الوجه السياسي والوجه الرياضي لقطر.. متفقان على أهمية الرياضة في الساحة العالمية وإمكانية استخدامها كسلاح سياسي عند الضرورة.. يوصف الخليفي بالرجل الذي لا يعرف المستحيل والرجل القوي للرياضة القطرية، فيما اعتبرته مجلة (L'Équipe) بـ"أقوى رجل في الرياضة الفرنسية، حالياً، متفوقاً على زين الدين زيدان وديدييه ديشان".. يشغل مناصب عديدة إلى جانب رئاسة النادي الباريسي فهو رئيس مجلس إدارة مجموعة "Qatar Sports Investments"، والمدير التنفيذي لمجموعة "bein Sports"، رئيس اتحاد التنس، إضافة إلى منصب نائب رئيس اتحاد غرب آسيا للتنس وعضو مهم في اللجنة المنظمة لمونديال قطر 2022.. لم يُولد ناصر غانم الخليفي وفي فمه ملعقة من ذهب كما يُقال، بداياته كانت من الدوحة، وُلد لأسرة متوسطة الحال، والده صياد باحث عن اللؤلؤ.. عشق كرة المضرب واحترفها لـ15 عاماً، لكنه لم يفلح في تحقيق أية بطولة، خسر جميع مباريات التنس الفردية التي خاضها بين عامي 1992-2002 من الجولة الأولى.. وأعلى تصنيف حصل عليه كان المركز 995 في أواخر 2002.. لكن كرة المضرب التي عشقها كانت بوابته لعالم الرياضة والأضواء ليصبح صورة قطر "الرياضية" ومهندس سياستها.. قادته الأقدار للتعرف على أمير قطر الحالي تميم بن حمد عندما كان بسن الـ12، وتطورت بينهما صداقة طفولية نجم عنها مرافقة الخليفي لأمير قطر المستقبلي، حيث أصبح واحداً من العناصر الشابة التي أحاطت بالشيخ تميم بدلاً من الحرس القديم الذي كان مع والده حمد بن خليفة.. ترى فيه أوساط قطرية وخليجية بديل محمد بن همام، رجل الرياضة القوي في عهد الأمير السابق، والذي طرق باب رئاسة "الفيفا"، وشكّل خطراً حقيقياً لأول مرة على جوزيف بلاتر.. في 2011 أُعلن عن شراء قطر لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي وتولي الخليفي مدير "الجزيرة الرياضية" حينها رئاسته.. اختيار "بوغانم" كما يُطلق عليه في الصحافة القطرية، لم يكن عبثياً، فالرجل استطاع عندما كان مدير الحقوق في "الجزيرة الرياضية"، جلب حقوق كبرى البطولات الأوروبية إلى القناة القطرية، لتصبح "المحتكر" الأول في العالم العربي، وهو ما اعتبره عُشاق الدائرة المستديرة "الجانب المُظلم والاستبدادي" للإماراة الخليجية، حيث يصفه خصومه، بـ"رجل الصفقات القطرية المشبوهة، وذراع قطر فى عالم الرياضة".. فيما يراه آخرون، أحد رجال "العهد الجديد" في قطر الذين يسعون لصنع "مكانة" خاصة للإمارة الخليجية الصغيرة كعلامة تجارية قوية، لأجل امتلاك قوة ناعمة يمكن استخدامها للتأثير في الرأي العام الأوروبي.. النادي الباريسي تحت الرئاسة القطرية.. القطريون تسلموا النادي الباريسي في ظروف صعبة ومعقدة، لكنهم تمكنوا من إعادة بناء فريق كان في وضعية حرجة فنياً ومادياً سنة 2011، واستطاع النادي في ظرف عشر سنوات من ضم ثلاثة من أفضل خمسة لاعبين في العالم، هم: مبابي ونيمار وميسي في صفقات تاريخية مدوية.. فمنذ أن وطئت أقدام الخليفي باريس حتى "احتكر" الدوري بصرفه أموالاً تفوق ميزانيات الآخرين بكثير، مما جعل الأندية في الدوري الفرنسي تشتكي سراً من "سطوته".. ورغم الاستثمارات القطرية الخيالية التي تم صرفها على النادي إلاّ أن نادي العاصمة الفرنسية لم يستطيع أن يكتب اسمه في قائمة الفرق "العتيدة" في القارة العجوز، وظل نجاحه مُقتصراً على الدوري المحلي وكأس رابطة الأندية الأوروبية.. مما جعله موضع سخرية وسائل إعلام أوروبية بعد فشله في الفوز بلقب دوري الأبطال رغم الملايين التي تم صرفها.. فالمال وحده لا يكفي.. وظاهرة أن تعيش أندية أوروبيةٌ عريقة بأموال عربية، ليست بالجديدة.. لكن باريس سان جيرمان الفرنسي، أصبح تحت طاعة القطريين مقابل 100 مليون يورو، حيث الكلمة الأولى والأخيرة للدوحة.. الأموال قد تشتري اللاعبين.. ولكنها لا تصنع التاريخ ولا تجلب البطولات، حسب محللين أوروبيين.. فالمبالغ الخيالية التي تعرضها إدارة الخليفي، جعلت من النادي قبلةً للنجوم الذين يسعون لجمع الأموال وكسب الشهرة، لا حباً بالنادي وإيماناً بمشروعه، وفق خبراء كرة القدم.. كما أن تدخل الخليفي في اختيار التعاقدات، حسبما يُروج، وتعاقب العديد من المدربين على النادي حال دون البروز.. إلى جانب غياب الحس التنافسي والروح القتالية من أجل شعار النادي، وغياب هوية كروية خاصة.. اتهامات وشبهات وملاحقة قانونية.. وُجهت للخليفي اتهامات في قضية فساد تتعلق بحقوق البث التلفزيوني لمسابقات كروية.. حيث اتهم بمحاولة إحتكار النشاط الرياضى لصالح قطر عبر عمليات فساد ورشاوى... وفتحت محكمة في سويسرا تحقيقاً فى دفع القطري رشاوى منح حقوق بث لعدة نسخ من بطولتي كأس العالم وكأس القارات للدوحة، ومنح إمتيازات غير قانونية للرجل الثانى لـ"الفيفا" جيروم فالكه، كما اتهم بانتهاك قوانين اللعب المالى النظيف لخطف نيمار من برشلونة.. لكن محكمة بيلينزونا السويسرية الفدرالية برأته من أي تهمة فساد في أكتوبر 2020، ليؤكد أنه "تمكن أخيرا من تبرئة اسمه بشكل كامل وقطعي، بعد أربع سنوات من الادعاءات والتهم الوهمية والتشهير المستمر بسمعتي، ثبت أن كل ذلك لا أساس له من الصحة"، مضيفاً "سأركز جهودي الآن لبناء مستقبل الرياضة العالمية".. قد يقول البعض إنّ أموال "مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية" التي يرأسها الخليفي، هي التي مكنت الرجل من تحقيق إنجازات مع باريس سان جيرمان، قد يكون في هذا القول جانب من الحقيقة.. لكن هناك جانب آخر لابد من ذكره.. وهو ذكاء الرجل.. فهو من يعمل على استقطاب رجال السياسة الفرنسية إلى مدرجات ستاد بارك دو برنس.. حيث سبق أن استضاف أكثر من مرة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، ومنها بمناسبة احتفال ساركوزي بعيد ميلاده الـ60.. ذكاء جعله يستعين برؤساء فرنسا لإقناع مبابي بالاستمرار في النادي الباريسي.. واللعب على وتر "الوطنية" لأجل التخلي عن حلم طفولته بالالتحاق بالنادي الملكي الإسباني.. فمبابي هو من قال في مؤتمره الصحفي بعد التجديد إن "مغادرة فرنسا ليس الشيء المناسب فعله، وهناك أسباب عاطفية فهو وطني، المشروع الموجود في النادي تغير وهو ما أدى لرغبتي في البقاء، لأني أعتقد أن قصتي هنا لم تنته بعد". السيولة المالية القطرية ساعدت الخليفي كثيراً في الوصول إلى المرتبة التي وصل إليها اليوم كأحد أقوى رؤساء الأندية الأوروبية.. لكن من المُجحف أن نقول إنها العامل الوحيد والأوحد.. فبدون ذكاء إداري ورؤية طموحة وإرادة سياسية لا يُكمن تحقيق الكثير.. فرغم العثرات والأخطاء والهفوات تبقى هناك إمكانية الظفر بالمزيد.. يبقى فقط انتظار ما تخبئه الأيام للنادي الباريسي-القطري برئاسة الخليفي..