الغاز الجزائري.. اللاعب الخفي في الصراع المغربي الإسباني

المساء اليوم – حسنية أسقال:

لم تكن السياسة وحدها حاضرة في الأزمة المستفحلة بين المغرب وإسبانيا خلال الأسابيع الماضية، فقد كانت الأحداث الساخنة تتدفأ بالغاز، الغاز الجزائري الذي يُسيل لعاب مدريد، والذي لعب دورا جوهريا في دفع حكومة بيدرو سانشيز إلى قبول استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي بهوية مزيفة. فكل الدلائل تشير إلى أن الغاز الجزائري كان الدافع الأساسي في تقديم إسبانيا هذه “المحاباة الصحية للجزائر”.

ومن أجل فهم تفاصيل تأثير الغاز الجزائري على المواقف السياسية الإسبانية ينبغي العودة إلى الماضي، وبالضبط إلى السنة الماضية. ففي أكتوبر 2020 توصلت شركة النفط الجزائرية “سوناطراك”، إلى حل خلافها مع شركة “ناتورجي” الإسبانية حول أسعار الغاز، بعد أن اقترب الطرفان من إجراءات التحكيم الدولية، بل إن الشركتين العملاقتين “سوناطراك” و”ناتورجي”، عززا شراكتهما الاقتصادية، وهي علاقة قديمة تعود إلى سنوات السبعينيات. كما أن الشركتين تساهمان في شركة “ميدغاز”، التي تدير خط أنابيب الغاز الذي يربط الجزائر بإسبانيا، بنسبة 51% و49%  على التوالي”.

الجزائر تقلصت صادراتها من الغاز إلى إسبانيا بنسبة 22.6% في فبراير 2020، بعد أن انتزعت أمريكا صدارة موردي الغاز إلى البلد الإيبيري لأول مرة منذ 30 عاماً بعدما بلغت حصتها 27%، لكن الغاز الجزائري استعاد  صدارته في السوقين الإسبانية والبرتغالية في الربع الأول من 2021، بحصة بلغت 48 في المائة، بعد أن رفع حجم صادراته إلى 4.3 مليار متر مكعب، بزيادة قدرها 122% مقارنة بالربع الأول من 2020، وذلك بتغيير سياسة الترويج من خلال تخفيض الأسعار والاكتفاء بالعقود المتوسطة الأجل بدل الطويلة التي تمتد إلى 20 عاماً فما فوق.

هذه التفاصيل اعتبرت العامل الأساسي في استقبال غالي، وحسب مصادر إعلامية إسبانية فإن “الموضوعان متصلان، الغاز الجزائري هو الدافع الرئيسي للموقف الإسباني، وعلى مدريد تسمية الأشياء بمسمياتها، فمسألة الدواعي الإنسانية التي تروج لها حكومة سانشيز لا تمت للأمر بصلة، المسألة تتعلق بمصالح سياسية واقتصادية بحتة، بحكم أن الجزائر، هي الدولة الوحيدة المصدرة للغاز التي تمتلك خطوط نقل نحو الجنوب الغربي للقارة الأوروبية، ومزود مهم لإسبانيا التي تبلغ حصتها من الغاز الطبيعي الجزائري 20 %”.

وتضيف هذه المصادر “خلافاً للصورة التي تريد حكومة مدريد تصديرها للرأي العام حول طبيعة أزمتها مع الرباط، إلا أن الجانب الأكبر لهذه الأزمة يعود إلى مصالحها مع الجزائر وبالأخص في مجال الغاز الطبيعي، فإذا كان نقل غالي يأتي لدواعٍ إنسانية بحتة من أجل تلقّي علاج طبّي بعد إصابته بكورونا، فلماذا لم تتحرك إنسانية مدريد تجاه مصابي كورونا بمخيمات تندوف في ظل غياب المعلومات الدقيقة حول عدد المصابين وحالات الوفيات هناك، فوفقا للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض، فإن مخيمات تندوف لم تسجل سوى حالة وفاة واحدة فقط جراء كورونا، بينما سجلت الجزائر 3418 حالة وفاة والمغرب 9122 حالة، الأمر يبدو مزحة سمجة، أليس كذلك؟، يتساءل المصدر، ويضيف: الأمر الثاني، طالما أن مخيمات تندوف بيئة آمنة من الكورونا، فكيف أصيب غالي سيء الحظ بها”.

الترحيب بزعيم البوليساريو في المستشفى جاء بناء على طلب ملح من الجزائر، المورد الحيوي للغاز للاقتصاد الإسباني، وتقديم أي تبرير أو تفسير غير ذلك، يعتبر نوعا من الدجل السياسي والضحك على الذقون، يقول مصدر إسباني لـ”المساء اليوم”، ويضيف “يجب تسمية الأمور بمسمياتها، وخير دليل على ذلك التعهدات التي قدمتها الجزائر لإسبانيا، في ظل الأزمة الحالية بين الرباط ومدريد، بتعويض أي نقص في إمدادات الغاز عبر أنبوب “غاز المغرب العربي” الذي تنتهي اتفاقيته الثلاثية، والتي تجمع الجزائر والرباط ومدريد، نهاية 2020″.

وكانت تساؤلات كثيرة طرحت إبان افتتاح الجزائر الأنبوب الجديد لتصدير الغاز الطبيعي مباشرة إلى إسبانيا، أولها كونه بديل لأنبوب الغاز الآخر المار على الأراضي المغربية، والذي تنتهي مدة التعاقد بشأنه هذا العام، إضافة إلى فرضية عدم تجديد التعاقد بشأنه، لكن المراقبين يؤكدون أن المصلحة المشتركة بين البلدان الثلاثة، هي في تجديد التعاقد بشأن تصدير الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر الأنبوب المار بالمغرب، وإن كان يكتسي أهمية استراتيجية للرباط أكثر منه للجزائر، إذ يحصل المغرب سنوياً على إيرادات من عبور الغاز الجزائري على أراضيه بلغت في 2018 نحو 1.5 مليار درهم، وفي 2019 انخفضت إلى مليار درهم، لتنخفض إلى 500 مليون درهم في 2020، إضافة أن هذا الخط يمنح المغرب أهمية استراتيجية كمنطقة عبور للطاقة، وورقة تفاوض في ملفات مختلفة مع الجزائر وإسبانيا وأوروبا عموماً.

أما بالنسبة لمدريد فإنها لا تحبذ فكرة أن يكون الخط الرابط بينها وبين الجزائر، “ميدغاز”، موردها الوحيد للغاز، فالاعتماد على خط وحيد قد يضر بمصالحها، في حال حدوث أي أزمة بين البلدين، لذا تفضل إسبانيا تنويع مصادر إمداداتها من الغاز الجزائري عبر الأنبوبين، وإن كانت ترى أن أنبوب “ميدغاز”، في الوقت الراهن، ضمان لأمنها الغازي في حال حدوث تصعيد مع المغرب وقطع الإمدادات عبر أنبوب “بيدرو دوران فارال”. فشركة ناتيرجي” الإسبانية شريكة سوناطراك، يمكنها نقل 10 ملايير متر مكعب سنويا من الغاز الجزائري عبر “ميدغاز” مباشرة إلى إسبانيا دون الحاجة للأنبوب المار عبر المغرب، رغم أهميته للأمن الغازي لمدريد”.

الجزائر من جهتها، ليست في محل استغناء عن خط “المغرب العربي أوروبا” لأسباب عدة، وإن كان “ميدغاز” يضمن لها، حسب مصادر، نوعا من التحرر من أي مساومات مغربية لمنع عبور غازها نحو إسبانيا. أولى هذه الأسباب، المنافسة الحادة التي يفرضها المنتجون الكبار في سوق الغاز كروسيا وأميركا وقطر، وإمكانية دخول منافسين جدد من الشرق المتوسط وإفريقيا، إضافة إلى أن الجزائر تسعى في المرحلة المقبلة لرفع صادراتها نحو أوروبا وبالأخص إسبانيا إلى أكثر من 60% من احتياجاتها الغازية.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )