عبد الله الدامون damounus@yahoo.com في هذه الأيام يتوجه عشرات الآلاف من تلاميذ البكالوريا لاجتياز الدورة الاستدراكية، وأغلب هؤلاء أفلتوا النجاح في الدورة الأولى بمسافة قصيرة.. قصيرة جدا. مقابل هؤلاء السيئي الحظ، هناك عشرات الآلاف من التلاميذ الذين احتازوا الدورة الأولى بنجاح، وأحيانا بتفوق ملفت، وعدد مهم منهم يسمون "أبطال نقاط المراقبة المستمرة"، الذين لعبت النقاط المغشوشة للمدارس الخصوصية دورا كبيرا في نجاحهم. نحن إذن أمام ظاهرة خطيرة للنصب والاحتيال يعرفها الجميع، وعلى رأسهم وزير التعليم شكيب بنموسى، الذي لا يخفى عليه الإجرام الممارس في المدارس الخصوصية، التي تمنح تلميذا قرابة 20\20 في الرياضيات وفي الفيزياء أو الرياضيات، ونقاط أخرى مشابهة في كل المواد، وعند الامتحان الوطني يمكن للحمار شخصيا أن ينجح حتى لو حصل على أسوأ النقاط. إنه المغرب يا سادة.. المغرب الذي اشتق اسمه من الغرابة أو الغرائب..! هناك الكثير من الأمثلة المفجعة بهذا الخصوص، ولو أن وزير التعليم لديه بعض الوقت للانتباه للكارثة التعليمية في البلاد، فيمكنه أن يشكل فورا لجنة تحقيق لن يزيد عملها عن أسبوع واحد، وهذه اللجنة يمكنها اختيار أوراق امتحان اعتباطية لتلاميذ من المدارس الخصوصية ومقارنة نقاط ما يسمى "المراقبة المستمرة" مع نقاط الامتحان الوطني، وسنكتشف أن البلاد تسير بسرعة رهيبة نحو الهاوية، لأن التعليم عندما يغرق في مثل هذا الفساد يتلوه مباشرة الانهيار الكبير في كل شيء. لو أن الوزير امتلك الشجاعة وقرر أن يفتح هذا الملف الخطير فسيكتشف مصائب من العيار الثقيل، ولا نعتقد أصلا أن الوزير يجهل كيف أن تلميذا في مدرسة خصوصية يحصل على 20\20 في الفلسفة، مثلا، في المراقبة المستمرة، وعند الامتحان الوطني بالكاد يحصل على واحد على عشرين، من باب الشفقة فقط. يعرف وزير التعليم، وعموم الناس أيضا، أن أفلاطون نفسه، ومعه سقراط وشوبنهاور وكل الفلاسفة الأماجد، لن يستطيعوا الحصول على 20 في امتحان للفلسفة، لأنها مادة لا يمكن أبدا أن تعتمد على النظريات المطلقة ولا على الحقائق الثابتة كالرياضيات أو الفيزياء، لكن الكثير من تلاميذ المدارس الخصوصية صاروا فلاسفة أكثر من سقراط، وهذه في حد ذاتها فضيحة ستضحك علينا العالم، ومن حسن حظنا أن هذه الفضائح التعليمية نتكلف بجمعها تحت الحصير، لكنها في أي وقت يمكن أن تعطي رائحة مريعة جدا ويسخر منا كوكب الأرض كله. ما يقال عن الفلسفة يقال أيضا عن باقي المواد، خصوصا في الشعب العلمية، وكل ذلك يصب في اتجاه واحد، وهو التكريس لفساد عظيم في مجال التعليم، وتخريج أجيال من الضباع التي لا تفهم في أي شيء، لكنها تنجح لأنها تستطيع أن تدفع لملاك المدارس الخصوصية لكي يرتقوا طبقيا كل عام على حساب قطاع مصيري للبلاد ومستقبلها. لكن هل الوزير لا يعرف هذه المصيبة..؟ أكيد أنه يعرف أكثر من هذا بكثير، بل كل المغاربة يعرفون ما يجري، ومع ذلك فإن هذه الجريمة مستمرة، وكل عام تتسبب في انقطاع أو فصل عدد كبير من التلاميذ الذين تعثروا في امتحانات البكالوريا لأنهم يدرسون في المدارس العمومية، بينما يأخذ مكانهم تلاميذ حصلوا على 20/20 في الرياضيات والفيزياء والفلسفة والرياضة والإنجليزية وغيرها، وفي الامتحان الوطني يحصلون على ما فوق الصفر بقليل، فينجحون بسهولة..! لا نعتقد أن هناك بلدا يحترم نفسه يسمح بحدوث مثل هذه الجرائم المفجعة في قطاع حيوي واستراتيجي مثل التعليم، لكن ذلك يحدث في المغرب أمام صمت الجميع.. وبتواطؤ الجميع. والمثير أن وزير التعليم خرج قبل أيام قليلة بتصريح يفخر فيه بما أسماه "المجهودات التي بذلتها الوزارة ومختلف الأطراف المعنية في بداية هذه السنة الدراسية، مكنت من إعادة 50 ألف تلميذ منقطع عن الدراسة إلى الفصول الدراسية". ويضيف بنموسى أن وزارته اتخذت مجموعة من الإجراءات الرامية إلى محاربة الهدر المدرسي، منها العمل على مراجعة الإطار القانوني لوضع رقم تعريفي موحد من شأنه المساعدة على تتبع التلاميذ بشكل فردي، وتعميم التعليم الأولي باعتباره عاملا أساسيا يساهم في خفض عدد الانقطاعات عن الدراسة، والمواكبة الفردية للتلاميذ من خلال معالجة التعثرات وتعزيز الدعم المدرسي بالنسبة للتلاميذ الذين يواجهون صعوبات في التعلم. لكن بعد كل هذه الثرثرة الفارغة التي لا تعني شيئا، نتقدم بطلب واحد إلى الوزير شكيب بنموسى: هل يمكنك أن تتحلى بالشجاعة اللازمة وتفتح تحقيقا جديا ومسؤولا حول فضائح نقاط المراقبة المستمرة في البكالوريا بالمدارس الخصوصية..!؟ إنها الفضيحة الأكبر التي تدفع كل عام بعشرات الآلاف من التلاميذ نحو الانقطاع الكامل والنهائي عن الدراسة، وليس فقط الهدر المدرسي..! كن وزيرا حقيقيا وافعلها...!