لماذا المغرب؟

جمانة حداد

لماذا المغرب؟ لأنّه مفاجأة. بل مفاجأة المفاجآت. ولأنّه مستحقّ.

جاء المنتخب المغربي من الأماكن المتواضعة، المنسيّة، من الدول التي لا يحسب لها أحدٌ حسابًا في موازين القوى والمعادلات الكروية. جاء من الاجتهاد والكفاح والدأب والمراس، ومن الاتكال على الذات، لا على المال، ولا على الصفقات، ولا على العقود التي تُبرَم تحت الطاولات. فاز بعزمه، بقوة العزم، بالإرادة، بالموهبة، بالطموح، وبالأمل. قارع أوروبا، بما هي عليه أوروبا في كرة القدم، ولا سيّما منتخباتها التي تتزلزل الأرض تحت وقع أقدام لاعبيها المرموقين. قارع أميركا اللاتينية، بما هي عليه أميركا اللاتينية من رسوخ قدم في هذا الميدان.

لم يرتكب المنتخب المغربيّ تسلّلًا يُمنَع بموجبه من الفوز. لم يتآمر مع المتآمرين لتركيب انتصار موهوم له. لم يدفع رشوةً، ولا راود حَكمًا عن نفسه. بل فاز بكل ما في معنى الفوز من صدقيّة ومشروعية. على مرأى من الحكّام والمدرّبين والفرق والمنتخبات والجماهير أجمعين.

لم يقف مكتوف الأرجل ولا مكتوف الأيدي ولا شارد الأعين، بل وقف متأهّبًا متحفّزًا متنبّهًا موزِّعًا أفراده كما تتوزّع الشرايين في الأمكنة الحسّاسة من الجسم الواحد.

كان المنتخب واحدًا في فريق، وفريقًا في واحد. كيانٌ متحد، متآلف، منسجم، متناسق، يتحرّك بفاعلية وبانتظام، ودائمًا حين وحيث تدعو الحاجة. أمّا حارس مرماه فكأن أعجوبة. ردّ ما لا يُرَدّ من كرات. وامتدّت يداه وأصابعه لتشيل الزير من البير، وذلك كلّه بثقة، بشجاعة، بإقدام، بحنكة، وببصيرة، وأكثر من ذلك: بسرعة البديهة التي كأنّها تعرف بالحدس أين ستكون الكرة قبل وصولها، فتتفوّق تلك البديهة على كلّ شهرةٍ مهيبة لحارس مرمى، وإن يكن حارسًا لمرمى المستحيل.

لماذا المغرب؟ ليس لأنه بلد عربي فحسب، أو أفريقيّ، بل لأنه يجيء من حيث لا ينتظر أحد.

تحية إلى أسود الأطلس.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )