“النوموفوبيا”.. حين يُصبح هاتفك داءك

المساء اليوم -هيأة التحرير:

يُعتبر إدمان الهواتف الذكية من أهم المشاكل التي جلبتها التقنية الحديثة لعصرنا الحالي، فعادة ما نلجأ لتصفحه في الكثير من المواقف والأماكن، سواء كان ذلك أثناء ركوب الحافلة أو عند الجلوس في غرفة انتظار الطبيب أو حتى أثناء الجلوس على الأريكة لمشاهدة فيلم ممل مساء، وفي كثير من الحالات يحتاج المرء إلى إرادة قوية لكي يتخلى عن مثل هذه العادات.

وعند الحديث عن إدمان الهواتف الذكية، وعدد الساعات التي تقضيها يوميًّا بصحبته، وهل تشعر بالقلق وعدم الراحة إذا نفدت بطارية الهاتف أو لم تكن هناك تغطية كافية لشبكة المحمول؟ وهل تواجه مشكلة في ترك هاتفك المحمول أو تشعر بالقلق عندما تعلم أنك ستفقد الخدمة لبضع ساعات؟ هل التفكير في عدم وجود هاتفك يسبب لك الضيق؟.. إذا كانت الإجابة بنعم قد تكون واحد ضمن كثيرون يعانون من “النوموفوبيا”، (Nomophobia).

ماهي النوموفوبيا؟..

المصطلح يأتي اختصارًا لـ(no-mobile phobia)، وعُرف لأول مرة عام 2008 من خلال دراسة أجرتها منظمة (You Gov) البحثية، بتكليف من مكتب البريد في بريطانيا، لتقييم القلق الذي يعاني منه مستخدمو الهواتف المحمولة، وتوصلت الدراسة وقتها إلى أن أكثر من 13 مليون شخص في المملكة المتحدة، يمثلون أكثر من 50% من مستخدمي الهاتف المحمول، يعانون من قلق مشابه لزيارة طبيب الأسنان أو قلق الإقدام على الزواج عندما يكونون بمعزل عن هواتفهم.

لم يتم إدراج Nomophobia في الإصدار الأخير من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، ولم يقرر خبراء الصحة العقلية بعد معايير التشخيص الرسمية لهذه الحالة، ومع ذلك من المتفق عليه عمومًا أن هذا الرهاب يمثل مصدر قلق للصحة العقلية، حتى أن بعض الخبراء اقترحوا أنه يمثل نوعًا من الاعتماد على الهاتف أو الإدمان.

وقالت الدراسة، التي أُجريت على مجموعة من الشباب في البرتغال، ونشرتها دورية (Computers in Human Behavior Reports)، إنه على الرغم من ارتباط النوموفوبيا بالاستخدام المفرط للهاتف المحمول، إلا أن الأشخاص الذين لديهم اضطرابات نفسية يميلون إلى تطوير هذا النوع من الرهاب أكثر من غيرهم.

كما كشفت الدراسة، التي أُجريت على 495 شابًّا، تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا (52% تقريبًا منهم من الإناث، وأكثر من 70% منهم في المرحلة الثانوية، و22% في المرحلة الجامعية)، عن وجود ارتباط إيجابي بين النوموفوبيا واضطرابات القلق والوسواس القهري والاكتئاب والذهان والعدائية والشعور بالدونية.

أعراض النوموفوبيا..

ومن أعراض “النوموفوبيا” الشعور بالقلق وعدم الراحة والتوتر والعصبية والألم عند الشخص، عندما لا يكون بحوزته هاتفه الذكي أو عندما يكون غير قادر على استخدامه، ومن ثم لا يقدر على الوصول إلى المعلومات التى يسعى للحصول عليها، أو لأنه يفقد خاصية الترابط والتشبيك التي يوفرها له الهاتف الذكي.

فعلى الرغم من مزايا الهواتف الذكية وشعبيتها، إلا أنها يمكن أن توثر سلبًا على أنماط حياة الأفراد عندما يصبح الاستخدام مفرطًا، ويمكن أن تكون التأثيرات جسدية ونفسية وسلوكية واجتماعية، وأنه على الرغم من كونه مصطلحًا ناشئًا، إلا أن هناك عددًا من الدراسات كشفت عن ارتباطه بالعديد من المشكلات الصحية والاجتماعية، مثل آلام الذارعين والكتفين والصداع، وتوترات الظهر والرقبة، وإصابات العظام في الأصابع واليدين، إضافةً إلى تدنِّي الثقة بالنفس، والعزلة الاجتماعية، والخوف من الارتباط، وتدنِّي احترام الذات، والقدرة المنخفضة على التكيف.

ولفتت دراسات إلى أن هناك عددًا من الباحثين حاولوا تفسير رهاب الابتعاد عن الهاتف المحمول، ومن النتائج التي وصلوا إليها أن الأشخاص الذين يعانون من هذا الرهاب يتعاملون مع الهاتف الذكي باعتباره عضوًا في جسم الإنسان، إذ يتفاعل الدماغ مع عدم اهتزاز الهاتف الذكي بالطريقة ذاتها التي يتفاعل بها عندما يكون لدى المرء طرف مبتور!

بماذا ينصح لمواجهة النوموفوبيا

أوصت دراسة أُجريت على طلاب في الفلبين، نُشرت العام الماضي، بتعزيز نمط حياة صحي بين المراهقين والشباب، لتجنُّب تفاقُم رهاب النوموفوبيا، بعدما كشفت عن ارتباط سلبي كبير بين النوموفوبيا ونمط الحياة الإيجابي، فيما يتعلق بممارسة النشاط البدني والتغذية والعلاقات الشخصية والصحة النفسية.

كما أن علاج أي رهاب يحتاج إلى علاج معرفي وسلوكي، ومن التدابير التي يمكن اتخاذها لتقليل تفاقم النوموفوبيا، تحديد ساعات صمت يبتعد فيها الشخص عن الهاتف المحمول، تبدأ بساعة وتزداد تدريجيًّا، لتقليل وقت استخدام الهاتف، وتوسيع دائرة الأنشطة التي يؤديها لتشمل أمورًا أخرى لشغل تفكيره عن الهاتف، وعمل مقابلات اجتماعية وجهًا لوجه بدلًا من المقابلات الافتراضية.

فعدم وجود وعي بأضرار إدمان الهاتف الذكي لدى أغلب الآباء والأمهات، قد يضعنا أمام مشكلة خطيرة خلال وقت قريب، وهي انتشار النوموفوبيا في صفوف الأطفال إلى جانب المراهقين والشباب، مما يُفقدهم القدرة على تطوير مهارات التواصل الاجتماعي في الحياة الحقيقية.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )