المساء اليوم - مدير النشر: عندما جلس رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مع النقابات وأعلن بعدها مباشرة تراجعه عن قراره "الإمبراطوري" بحرمان الموظفين من ولوج عملهم إلا بجواز التلقيح أو الاقتطاع من أجورهم، فإنه كان يدق، بذلك، مسمارا آخر في نعشه السياسي، وهو مسمار ينضاف إلى مسامير أخرى سابقة. بل إن أخنوش خرج من ذلك اللقاء مثقلا بالمطالب النقابية، وهي مطالب لم تتحقق في عهود الحكومات السابقة وصار مكبلا بها في عنقه. وقبلها كانت حكومة أخنوش قررت منع المحامين من ولوج المحاكم إلا بجواز التلقيح، وبعد بضعة أيام صار القرار في خبر كان. صحيح أن قرار المنع صدر عن وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، لكن الوزير تحت إمرة رئيسه، وإلا فإننا سنلجأ إلى نظرية النيران الصديقة حتى نفهم الأمر بطريقة أخرى. وقبل بضعة أيام أصدرت الحكومة بيانا ناريا ينفي صحة بيان متداول في وسائط التواصل حول عودة الجماهير إلى الملاعب المغربية وقالت إن البيان كاذب، وبعد بضع ساعات أصدرت الحكومة نفسها، أي حكومة أخنوش، قرارا واضحا وصريحا يقول بأن الملاعب المغربية صارت مفتوحة أمام الجماهير، بشروط هزلية متعلقة "بالإجراءات الاحترازية"، وها هي الملاعب ممتلئة بعشرات الآلاف من الناس، والغائب الأكبر فيها "الإجراءات الاحترازية"، بينما لا تزال الاحترازات على أشدها في المطارات. هكذا، في بضعة أيام، وجهت حكومة أخنوش إلى نفسها لكمات متلاحقة، وهو ما يثبت أننا قد نكون أمام واحدة من أغرب الحكومات في تاريخ المغرب، حكومة تصدر قرارا في الصباح وتتراجع عنه في المساء، حكومة إن لم تصفع نفسها فإن النيران الصديقة تتكفل بذلك. لم تمض على حكومة زعيم "الأحرار" سوى أربعة أشهر حتى وجدناه غارقا إلى عنقه. الأسعار ترقص "على وحْدة ونصّ"، ودعوات "إرحل" مرفوعة في وجهه وكأنه أمضى في الحكومة أكثر مما أمضاه رئيس كوريا الشمالية، وحكومته ذات الثلاثة أذرع تبدو وكأنه أخطبوط بألف ذراع، واحد يشرّق وآخر يغرّب، والقرارات عشوائية وغير مفهومة، والناس تكتوي بنار الأسعار والرجل يرْجعها إلى الظروف الدولية. كان كثير من المغاربة يتوقعون أن يكون أخنوش الرجل الذي سيمسح، بجرة قلم، مثالب الحكومات السابقة، فصار يتعلل بتركة تلك الحكومات، ليس للتغيير، بل للاستمرار على نفس النهج، وها هو الناطق الرسمي يقول إن الوضعية الصعبة موروثة عن الحكومة السابقة، وكأنه يُعدّنا نفسيا لكي نتحمل المزيد والمزيد خلال السنوات المقبلة. هناك أمثلة كثيرة تشي بأننا أمام سنوات عجاف، ليس فقط بسبب الأسعار والكوفيد والجفاف وحرب أوكرانيا، بل لأننا أمام خليط عجائبي للتسيير الحكومي، بحيث أنه عوض أن تفي الأحزاب المشكّلة للائتلاف الحكومي بوعودها، فإنها صارت تتعلل بتركة الحكومات السابقة وبالحروب والجفاف والأمراض لكي تنكّل بنا سنوات طويلة أخرى. وقديما كان المغاربة يصفون الرجل الذي يتظاهر ببطولة لا يملكها بأنه يلبس هيْضورة السبع..!