عبد الحفيظ أيراذ مرّ أكثر من شهر على انطلاق _أسطول الصمود_ من مدينة برشلونة، عاصمة إقليم كاتالونيا، ذلك التحرك الشعبي الذي يستحق أن يُسمّى "أسطول الجرأة والشجاعة"، لما حمله من رمزية إنسانية في مواجهة الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من 17 عامًا. إنها مبادرة تاريخية ستظل محفورة في ذاكرة المدينة، وستفتخر بها الأجيال المقبلة لهذا الإقليم الذي يتميز شعبه بانفتاح إنساني، يحتضن القضايا العادلة أينما كانت، ويقف إلى جانب المظلومين دون تمييز في العرق أو الدين أو الجغرافيا. برشلونة لم تكن مجرد ميناء أو نقطة انطلاق، بل تحوّلت إلى منبر للضمير العالمي، وصوت شعبي يقول: "نحن هنا، لن نغض الطرف، ولن نصمت حين يُسحق الحق تحت أقدام القوة." وهذا ما عبّرت عنه الرئيسة السابقة لبلدية برشلونة، _آدا كولاو_ ، في كلمة مؤثرة قبيل انطلاق الأسطول، حين قالت: *"برشلونة لا يمكن أن تبقى صامتة أمام الإبادة. نحن مدينة مقاومة، وضميرنا لا يسمح لنا بالحياد."* كولاو لم تكتف بالكلمات، بل اختارت أن تكون في مقدمة الأسطول، غير آبهة بمركزها السياسي أو سمعتها الدولية، بل مدفوعة بضمير حيّ وإيمان عميق بالعدالة. لقد ساهمت في تعبئة المجتمع المدني، ونسّقت مع منظمات دولية لتأمين الدعم اللوجستي والحقوقي للنشطاء، كما دعت الحكومة الإسبانية إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، بما في ذلك _وقف تجارة السلاح_ معها. وقد بدأ هذا الموقف يتبلور بالفعل، بعد أن صادق رئيس الوزراء الإسباني _بيدرو سانشيز_ على حزمة من *الإجراءات القانونية غير المسبوقة* ، ردًا على ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية في غزة". في مساء الأحد، الخامس من تشرين الأول، وصلت إلى مطار مدريد طائرة تقلّ 29 ناشطًا من المشاركين في الأسطول، من بينهم 21 مواطنًا إسبانيًا، تتقدّمهم آدا كولاو. وقد تم ترحيلهم بعد توقيعهم على وثيقة فرضتها السلطات الإسرائيلية، تنصّ على "الاعتراف بالدخول غير القانوني" إلى المياه الإسرائيلية، رغم أن عملية الاعتراض وقعت في المياه الدولية، ما يثير جدلًا قانونيًا وسياسيًا واسعًا. فور وصولها، صرّحت كولاو: *"وقّعت تحت الضغط، فقط لأتمكن من العودة ومواصلة النضال من هنا. ما رأيته في السجن لن أنساه، وسأجعله قضية رأي عام."* هذا التصريح يعكس حجم المعاناة التي تعرّض لها النشطاء، ويؤكد عزمهم على تحويل تجربتهم إلى منبر للدفاع عن العدالة وحقوق الإنسان. في سجن كتسيعوت جنوب إسرائيل، لا يزال 28 مواطنًا إسبانيًا قيد الاحتجاز، بعد رفضهم التوقيع على وثيقة الترحيل. من بينهم عدد من البرلمانيين الذين يتمتعون بحصانة دبلوماسية، ما دفع الحكومة الإسبانية إلى المطالبة بالإفراج الفوري عنهم. وزير الخارجية الإسباني أكّد أن مدريد تتابع أوضاعهم بشكل يومي، وتحرص على التأكد من حصولهم على الغذاء والرعاية الصحية، في ظل ظروف احتجاز مثيرة للقلق. أما تصريحات النشطاء العائدين، فقد جاءت مشبعة بروح التحدي والصمود، حيث عبّروا عن عزمهم على مواصلة فضح الانتهاكات التي تعرّضوا لها، مؤكدين أنهم واجهوا اعتداءات جسيمة تمسّ حقوقهم الإنسانية وكرامتهم. ayraad.rifi1976@outlook.es