المساء اليوم - هيأة التحرير: قبل أن ينهي المضربون في مجال التعليم إضرابهم القياسي، بدأ موظفو الجماعات المحلية إضرابا متعدد الجبهات، والذي قد يأخذ منحى مشابها لإضراب التعليم.. وفي الأفق إضرابات أخرى مشابهة. من المثير أن أولى البيانات التي أصدرتها النقابات التي تقود إضراب موظفي الجماعات المحلية تشبه كثيرا بيانات الأساتذة المضربين، وقد تكون نسخة طبق الأصل منها، ففي النهاية فإن المطالب بالزيادة في الأجور لا تقل عن 3 آلاف درهم، كما أن هناك تهديدا مباشرا بخوض إضرابات ماراثونية قد لا تنتهي، تماما مثلما فعل الذين "كادوا أن يكونوا...". المشكلة أن الأساتذة، أو جزء كبير منهم على الأقل، اعتقدوا أنهم وحدهم "مضويين لبلاد"، واحتجزوا ملايين التلاميذ رهائن وطالبوا بزيادات قياسية في الأجور وكأن باقي الموظفين والعمال في البلاد لا يصلهم الغلاء ولا صهد الحياة. ثم، لماذا هذه الحمى المجنونة من طرف المضربين لتحصين أنفسهم ضد التأديب المهني، أليست هناك نيات خبيثة تروم جعل الأستاذ فوق القانون!؟ أليس من حقنا أن نتساءل أين أمضت "الحشود" وقتها في شهور الإضراب، ألم يكونوا مختبئين في المدارس الخصوصية مثل هاربين من العدالة، وهناك مدارس خصصت لهم أقساما شبه سرية لمزاولة مهمتهم السرية حتى لا تكتشفهم لجان الوزارة.. هل هذه هي الكرامة يا أصحاب الكرامة..!!؟ لقد فعل الأساتذة ما يفعله أي جاهل بالواقع في هذه البلاد، واعتقدوا أن ما يسمونها "المظاهرات الحاشدة" تمنحهم حقوقا لا ينالها باقي الموظفين والمغاربة عموما، وكادوا يطالبون بحصانة ضد الموت، ولا يزالون حتى اليوم مصرين على الاستمرار في إضراب همجي أدخل البلاد في نفق اجتماعي واقتصادي ليس من السهل الخروج منه، وهو ما دفع الكثيرين إلى اتهام النقابات والتنسيقيات التعليمية بالتواطؤ مع جهات "خارجية معادية للمغرب"، وهي تهمة ثقيلة إلى درجة من الصعب تصديقها بسهولة. وبعد التعليم والجماعات المحلية سيظهر موظفو قطاع الصحة، والذين لوحوا من قبل بدخولهم في إضرابات تشبه أيضا إضرابات التعليم، ولا أحد يعرف إن كانوا يعتزمون بدورهم استعمال المرضى كدروع بشرية لتحقيق مطالبهم، مثلما فعل موظفو التعليم. ثم، أليس من حق العمال في المعامل والمصانع وفي كل مكان أن تكون لهم، أيضا، كرامتهم المادية والنفسية ويحظوا بدورهم بمعاملة مشابهة لقطاع التعليم عبر الزيادة في رواتبهم وتحصين أوضاعهم المهنية، أم أن الكرامة خلقها الله فقط من أجل أولئك الذين يستعملون ملايين التلاميذ دروعا بشرية!!؟ إذا سرنا على هذا المنوال فقد يستيقظ المغاربة صباحا من دون أن يجدوا أحدا يشتغل، وستكون الدولة ملزمة بتلبية مطالبهم كلهم، ولا أحد يدري مدى قدرة الدولة على فعل ذلك، في وقت تلتهب الأسعار وتتحول حياة الناس البسطاء إلى جحيم يومي. إنها متاهة حقيقية، متاهة تكتنفها الكثير من الألغاز، وسيحتفظ التاريخ للنقابات والتنسيقيات التعليمية بمسؤوليتها المجنونة في إدخال البلاد والعباد في هذه المتاهة.