احتجاجات الشباب بين المطالب الاجتماعية وغياب المبادرة الحكومية

هفتي ضرار

تشهد الساحة المغربية منذ أيام موجة احتجاجات شبابية حقيقية، تركز على القضايا الاجتماعية الأساسية مثل الصحة والتعليم وتوزيع الإنفاق العمومي، وهذا الحراك يعكس وعي جيل Z وارتباطه المباشر بالواقع الاجتماعي، ويطالب بتحسين الخدمات الأساسية، وليس بمحاولة تقويض الدولة أو النظام.

مع ذلك، فإن ما يلفت الانتباه هو محاولات الاختراق الداخلي والخارجي لهذه الاحتجاجات، فهناك تيارات مثل جماعة العدل والإحسان وبعض الفصائل اليسارية الراديكالية، تحاول ركوب موجة الحراك لإعادة التموضع السياسي واستعادة شرعيتها، وفي الوقت نفسه تقوم صفحات إعلامية خارجية من الجزائر وإسبانيا بتغطية الأحداث بطريقة تهدف إلى تصوير الحراك وكأنه تمرد على الدولة بعيدًا عن مطالبه الاجتماعية الحقيقية.

مع اقتراب الدخول الجامعي، قد يزداد زخم الاحتجاجات، لكن هذا يشكل أيضا بيئة خصبة لهذه التيارات لمحاولة إدخال مطالب فئوية أو شخصية، مثل الولوج لسلك الماستر أو فرص التوظيف، مما قد يضعف الطابع الوطني العام للحراك ويحوله إلى ساحة مساومة سياسية.

في هذا السياق، يظهر دور الحكومة بشكل جلي، حيث غياب المبادرة والشلل والانتظار وراء الملك يجعل الحكومة عاجزة عن تحمل المسؤولية، فتنتظر التدخل الملكي لحل الأزمات، بدل أن تتحرك بسرعة وتنفذ الإصلاحات الاجتماعية المطلوبة. هذا النهج يعكس ضعف التنسيق الداخلي وغياب رؤية واضحة، ويزيد شعور الشباب بالإحباط، ويجعل مطالبهم تتوقف على مظلة الملك بدل أن تكون نتيجة سياسات حكومية فاعلة.

وهنا يظهر صدى خطاب جلالة الملك محمد السادس في عيد العرش 2017، حين قال.”وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟ لكل هؤلاء أقول. كفى، واتقوا الله في وطنكم، إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، أو أن تنسحبوا. فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون.”

ويأتي هذا التأكيد على ضرورة العدل والمصداقية أيضا من حكمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين قال. “إن العدل ميزان الله سبحانه الذي وَضَعَه للخَلْق، ونَصَبَه لإقامة الحق، فلا تُخالِفْه في ميزانه، ولا تُعارضْه في سلطانه”، وهو ما يعكس أن الالتزام بالعدل والمساواة أساس كل إدارة ناجحة، وأن أي تجاوز أو تواطؤ يضر بالمجتمع ويضعف الثقة بين الحاكم والمحكوم.كما تدعم فلسفة العدل هذه مقولة الفيلسوف الصيني كونفوشيوس”في ظل حكومة فاضلة، يكون الفقر عارا. وفي ظل حكومة سيئة، يكون الغنى هو العار.

تعكس هذه المقولة العلاقة الوثيقة بين الحكم الصالح والعدالة الاجتماعية، وتوضح أن العدالة ليست مجرد تطبيق للقوانين، بل مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق الحكام والمجتمع ككل.

الاحتجاجات الشبابية اليوم تعكس وعيا متزايدا وإرادة لإصلاح حقيقي، لكنها تواجه ثلاثة تحديات متداخلة، هي اختراق تيارات أيديولوجية تهدف إلى تمرير أجندات ضيقة، وخطاب خارجي يسعى إلى إخراج الحراك عن مساره الاجتماعي، وحكومة عاجزة عن المبادرة تختبئ وراء المؤسسة الملكية بدل أن تتحمل مسؤولياتها. للحفاظ على الطابع الاجتماعي والدستوري للحراك الشبابي، يجب تنظيم الصفوف وضمان أن يقود الحوار مع الجهات المعنية أشخاص قادرون على تمثيل مطالب الشباب بصدق ومسؤولية، مع إبعاد أي أطراف قد تحاول استغلال الحراك أو تضليله، والخروج من قوقعة الشك والريبة والمجهول، لضمان تحويله إلى قوة إصلاحية حقيقية تحسن حياة المواطنين وتعزز ثقة الشعب في الدولة ومؤسساتها.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )