المساء اليوم: كان جليا أن العلاقات المغربية الإسبانية، التي دخلت نفقا قاتما قبل بضعة أسابيع، لن تستمر في البقاء في نفق مظلم كل الوقت، ففي نهاية أي نفق يوجد ضوء، ومهما كان خافتا فهو في البداية والنهاية ضوء. العلاقات المغربية الإسبانية محكومة بقدر الجوار، وقدر الصراع، وقدر التفاهم، ففي كل مرة يشتعل صراع ما، يكون من اللازم إطفاؤه بأسرع مما يجب. للأسف، لم يكن المغرب البادئ في إشعال صراع لم يكن له داع. فإسبانيا، التي لا تزال تعاني من عقدة كولونيالية مستفحلة، ظنت نفسها قادرة على مراوغة المغرب في قضية حساسة وهي قضية وحدته الترابية، وهذا ما تم وضع حد له. كان على إسبانيا أن تدرك، ومنذ زمن بعيد، أن التوازن الذي يطبع الدبلوماسية المغربية، لم يكن نتيجة ضعف أو ارتباك، بل فقط محاولة لتكريس حسن الجوار رغم كل المعيقات والمطبات، لكن حين يتحول الجوار إلى تكرار محاولات الغدر، فعند ذاك تصبح الحكمة شكلا من أشكال الهوان. لا يُخفي السياسيون الإسبان مفاجأتهم من قدْر الحزم المغربي خلال الأزمة الأخيرة، ويبدو أنهم أدركوا أن المستقبل لن يشبه أبدا الماضي، وهذه البداية الصحيحة لإقامة علاقات متوازنة ومتكافئة. ما جرى خلال الأسابيع الأخيرة لم يقنع إسبانيا فقط بجدية الحزم المغربي في قضية وحدته الترابية، بل أقنع العالم كله بأن هناك خطا أحمر، شديد الحمرة، حول قضية الصحراء المغربية، تماما كما تفعل كل البلدان ذات السيادة التي تحترم نفسها، وإسبانيا من بين هذه البلدان التي تعتبر وحدتها الترابية مسألة مقدسة، والتي أرسلت أغلب أعضاء الحكومة الكاتلانية إلى السجن، لمطالبتهم بانفصال الإقليم عن إسبانيا. هكذا يبدو أن إسبانيا تحاول إعادة "الكرونومتر" إلى نقطة الصفر، حيث تحملت وزيرة الخارجية المعفاة، أرانتشا غونزاليث لايا، وزْر استقبال زعيم البوليساريو، وهذه هي قوانين الدبلوماسية، أي لا بد من وجود أكباش فداء تتحمل تبعات أخطاء قد ترتكبها أجهزة بكاملها. لقد انفجرت الأزمة.. ثم انفرجت.. أو على الأقل هي في طريقها إلى الانفراج قريبا. عموما، لا يسعنا إلا أن نعيد مع الشاعر قوله "اشتدي أزمة تنفرجي".. وهو انفراج يجب أن يدوم طويلا.. في إطار ترسيخ أسس الاحترام المتبادل.