الإسكوبارات.. والنوم في العسل..!

عبد الله الدامون

ليس هناك مثقال ذرة مما يمكن امتداحه في عالم المخدرات، وكل من يتاجر فيها ويروجها يعتبر مجرما بكل المقاييس، لأنه أخطر من العدو الذي يواجه البلاد بالأسلحة، إنه فيروس أخطر من كل الأوبئة.

يجب الاعتراف أن الوضع في المغرب محبط لأن الكثير من تجار ومهربي المخدرات صاروا من الأعيان وولجوا المجالس المنتخبة من أبوابها الواسعة وصاروا وجوها معروفة في البرلمان وتحكموا في الانتخابات والحياة العامة بأموال المخدرات واشتروا الذمم والضمائر في كل المجالات.

وعندما سقط الناصري وبعيوي مؤخرا فإن ذلك أثار صدمة، ليس فقط بين الناس العاديين، بل بين الجميع، ليس لأن لا أحد كان يتوقع أن يتورط شخصان بهذا الوزن في عالم المخدرات، بل لأن لا أحد كان يتوقع أن يسقطا أصلا، لأنه نادرا جدا ما يحدث ذلك.

عالم المخدرات مثل بيت عنكبوت، مترابط ومتشابك إلى درجة مذهلة، وعندما يسقط شخص وازن فإن الكثيرين يتبعونه لأن لا شيء يحدث من دون تواطؤات كثيرة في كل المجالات.

حتى الآن سقط قرابة 30 شخصا، بينما لا يزال الناس يتساءلون هل من مزيد، وهذا حدث في شبكة واحدة فقط، فماذا لو سقطت عشرات الشبكات المشابهة، أكيد أن الناس سيصابون بالجنون وهم يرون الوجوه والأسماء التي تسقط.

يتذكر الناس ما حدث في حملة منتصف تسعينيات القرن الماضي حين سقط العشرات من تجار المخدرات الذين كانوا يعتبرون فوق “القانون”.. وفوق “البيانو” أيضا، ونتذكر أسماء أغلبها تتحدر من الشمال مثل الدرقاوي واليخلوفي وبونقوب (الديب) وآخرون كثيرون، ويومها سقط العشرات من المتواطئين أكثر مما سقط من تجار المخدرات أنفسهم، فهذا العالم لا يمكن أن ينمو ويتسرطن من دون تواطؤ.

مرت مياه كثيرة من تحت الجسر وصارت حملة التسعينيات من الماضي، بل تبدو حملة ساذجة مقارنة مع الشبكات الموجودة حاليا، فقط كان الموقوفون في حملة التسعينيات مجموعة أشخاص من القرى وبدون تعليم وبعيدين عن مراكز المسؤولية ويتاجرون في الحشيش فقط، أما اليوم فنرى رئيس جهة وبرلمانيين وأسماء وازنة مثقلة بالتهم المتعلقة بتهريب الكوكايين، وهي مخدرات تتفوق بسنوات ضوئية على الحشيش في المفعول والإيرادات.

نحن اليوم في وضع مختلف كثيرا ومخيف أكثر، فقط استفحل الوضع وصارت المخدرات الصلبة تكتسح معاقل الحشيش التقليدي وأصبح رعاع المجتمع يتباهون بثرواتهم المفاجئة ويشترون كل شيء، بما في ذلك الذمم. لقد أخلت المخدرات بكل التوازنات الاجتماعية والأخلاقية، بل حتى بالتوازنات السياسية وصارت الانتخابات المكان المفضل للمال الوسخ حيث يتهافت المهربون على تبييض أموالهم وسيرتهم بشراء المناصب والألقاب، بل صارت الأحزاب تتهافت عليهم لرفع مقاعدها في المجالس المنتخبة وتمويل حملاتها الانتخابية، بل والدفع بسخاء كبير لزعماء الأحزاب مقابل التزكيات الممنوحة للإسكوبارات.

ستمر قضية شبكة الناصري وبعيوي كما مرت غيرها، لكن الخطورة تكمن في اعتقادنا بأن الخطر تم وأده أو تحجيمه، وأن الأوضاع صارت على ما يرام، بينما العكس هو الصحيح، فالمخدرات تنخر جسد المجتمع المغربي وتنهش حاضره ومستقبله، فقد مرت حملة التسعينيات وحملات أخرى ثم نمنا في العسل، قبل أن نستيقظ على واقع أمر، ونخاف أن نستيقظ بعد بضع سنوات على ما هو أهول وأفظع، وقد يأتي يوم يكون فيه الأوان قد فات على أي علاج.. وهذا أخطر ما يمكن أن يحدث.

damounus@yahoo.com

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )