التاجر أردوغان..

المساء اليوم – هيأة التحرير:

لا ينكر أحد أن تركيا وصلت اليوم إلى مستويات غير مسبوقة من التقدم، واستطاعت أن توصل بضاعتها إلى أقاصي الأرض، وقريبا يمكنها أن تنافس الصين واليابان في بيع كل شيء في كل مكان.

تركيا اليوم رقم صعب في الاقتصاد الدولي، لذلك لم يتردد رئيسها، رجب طيب أردوغان، في فعل كل شيء لكي يجنب الاقتصاد مخاطر الانهيار حين وصلت الليرة التركية إلى مستويات قياسية من الانخفاض.

لقد فعل أردوغان كل شيء من أجل أن يعيد للاقتصاد التركي انتعاشته، لكنه أدرك أن التلاعب في الليرة قد يحول بلاده إلى مجرد وهم، وفي حال استمر الوضع في الانهيار، فسيجد الاقتصاد التركي نفسه مثل ميت في كفن.

هكذا تحرك الرئيس أردوغان بسرعة وقلب المعادلة السياسية رأسا على عقب.. لقد أدرك، بحس التاجر الملهم، أن السياسة مجرد لعبة اقتصادية كبيرة، وأن من لا يفهم قواعد التجارة، لن يفهم أبدا قواعد السياسة.

لهذا انعطف أردوغان بسرعة البرق ضد كل مبادئه السابقة.. فقد قرر طرد كل المعارضين السياسيين المصريين المزعجين من تركيا، أو خيّرهم بين الصمت أو الرحيل، ففي النهاية فإن الإخوان المسلمين لن يحكموا مصر قريبا، لذلك يمكن للسياسة أن تنتظر.

كذلك فعل مع الإمارات، التي كان يعايرها ببداوة مؤسسيها وسذاجة حاكميها وعمالة سياسييها، فاستقبل أمراءها بكثير من الحفاوة، فلا شيء يبقى في النهاية غير المصالح والحاويات التجارية العابرة للقارات.

وحينما اعتقد كثيرون أن دم الصحافي جمال خاشقجي ديْن في رقبة الزعيم التركي، وأن الرجل لن يسكت حتى يأخذ بثأر الرجل الذي قتل ببشاعة في ضيافة الترك، فإن الأمر تحول إلى عناق تاريخي بين أردوغان وبين ولي العهد السعودي، ويمكن لدم خاشقجي أن يطلب الإنصاف من خالقه.

وقبل ذلك خصص أردوغان استقبالا ملكيا للرئيس الإسرائيلي، في زيارة وصفت بالتاريخية، في وقت كان كثيرون لا يزالون يلوكون الخطب الرنانة لأردوغان حول فلسطين التاريخية.. من النهر إلى البحر.

لا أحد يمكنه أن يلوم  أردوغان على كل مواقفه المتقلبة، فهو في النهاية تاجر يعرف جيدا تقلبات السوق، لذلك ينبغي أن يبقى مستعدا لضمان القرش الأبيض في اليوم الأسود، وهو يفعل ذلك بمنطق التجار المهرة.. الذين لا يكتفون ببيع الثلاجة لسكان القطب الجنوبي، بل يذهب أبعد من ذلك بكثير.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )