الدار البيضاء والرباط وطنجة: تطبيقات ذكية في مدن غبية..!

المساء اليوم – ح. اعديل:

حوادث متشابهة تفصل بينها فترة زمنية قصيرة، كلها في مدن مغربية كبرى وبالغة الدلالة بالنسبة لحاضر المغرب ومستقبله، وحتى ماضيه، وهي حوادث تشي بأن الأشياء ليست على ما يرام، وأن البلاد امتلأت بلوبيات المصالح وشبكات الضغط وكأن القانون كفناه ودفناه وقرأنا عليه الفاتحة وفتحنا الباب على مصراعيه لشرع اليد.

قبل بضعة أسابيع تحولت الدار البيضاء إلى خبر عالمي حين تناقلت وكالات الأنباء خبر اعتراض رهط من سائقي سيارات الأجرة لسيارة نقل تعمل على التطبيقات الذكية، واعتدوا على سائقها وركابها في منتصف الليل عند مدخل فندق شهير.

وكأن هذا لا يكفي، فركاب السيارة لم يكونوا سوى مسؤول روسي رفيع جاء إلى المغرب في زيارة قصيرة لعقد عدد من الاتفاقيات مع مصالح حكومية مغربية، وفي ليلته الأخيرة جلسا هو وزوجته على مائدة عشاء رومانسية بمطعم الفندق الشهير، لكن نهاية الرومانسية اختلطت مع نهاية فيلم للرعب، حين حاول مجموعة من الأغبياء تطبيق “شرع اليد” مع سيارة نقل تابعة لتطبيق روسي شهير.. ومن الأكيد أن المسؤول الروسي وزوجته سيكون لديهما الكثير مما يحكيانه عن بلد مونديال 2030.

انتهت هذه الحكاية وحاولنا نسيانها، لكن “حكومة الظل” لسائقي سيارات الأجرة ترفض نعمة النسيان، حيث حدث شيء مشابه في العاصمة الرباط هذه الأيام، و”أبطاله”، مرة أخرى، عدد من سائقي سيارات الأجرة، والذين اندمجوا في أداء أدوار سينمائية مثيرة، حين طاردوا سيارة نقل تشتغل في إطار التطبيقات الذكية، فتحولت الرباط إلى رمز آخر للفوضى، وكادت هذه الحماقة تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، لولا الألطاف الإلهية.

ويبدو أن سائقي سيارات الأجرة بالرباط أحسوا بالغيرة من “كوبوي” الدار البيضاء، فقرروا بدورهم تطبيق “شرع اليد” في بلد يغير مدونة الأسرة كل 10 سنوات، ولا يستطيع تغيير قوانين النقل في مائة عام..!

وكأن كل هذا لا يكفي، فقد جاء الخبر الثالث هذه المرة من طنجة، القاطرة المستقبلية للبلاد، حين ظهر شريط فيديو لسائقين لسيارات الأجرة، وهما معا من نفس “الفصيلة” هذه المرة، يتناطحان بسيارتيهما في الطريق العام، في مشهد من الصعب تصديقه لولا توثيقه صوتا وصورة، وكل هذا بسبب خلاف على زبائن كانوا في طريقهم إلى المطار، والكل يعلم ماذا يعني المطار بالنسبة لسائقي سيارات الأجرة..!

هذه أحداث بالغة الدلالة بالنسبة لصورة المغرب حاضرا ومستقبلا، خصوصا في ظل التظاهرات القارية والعالمية التي سيحتضنها المغرب في مقبل الأشهر والسنوات، تظاهرات بذل المغرب في سبيل نيلها الكثير من الجهد والتضحيات، فيقوم حاليا رهط من الأغبياء بتلويثها، مع سبق الإصرار والترصد.

كما أنها أحداث جرت في أكبر وأشهر المدن المغربية المرشحة لاحتضان مباريات “الكان” والمونديال. والمثير أن الدار البيضاء تنافس مدريد لاستضافة نهائي مونديال 2030، لكن من الصعب أن تنافس مدريد في نظام سيارات الأجرة وسلوك السائقين والمهنية الكبيرة لهذا القطاع.

كل هذه أحداث تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا لأننا نرى أبرز المدن التي نريد أن نجعلها مدنا ذكية للمستقبل تتحول إلى مدن غارقة في الغباء بسبب حفنة من المتخلفين والجهلة، الذين يمرغون سمعة البلاد في التراب من أجل حفنة من الدراهم.

صحيح أنه، في كل هذه الحوادث، تم إخضاع الموقوفين لبحث قضائي تحت إشراف النيابة العامة المختصة، لكن تكرارها في مقبل الأيام ليس مستحيلا إذا لم تكن العقوبات زاجرة بكل ما في الكلمة من معنى.

ينبغي أن يفهم سائقو الطاكسيات أن بلادهم تتوفر على قطار البراق، وأن البلاد يجب أن تسير بنفس السرعة في قطاعات أخرى كثيرة، وأن المستقبل لن يرحمنا إذا بقينا مصرين على سياسة جبر الخواطر وترك كل واحد يفعل ما يحلو له بحجة أن “الوقت صعيب”، لأن الصعوبة الحقيقية هي تمكين اللوبيات، الصغيرة والكبيرة، من رهن مستقبلنا ومستقبل الأجيال اللاحقة في شرنقة التخلف، وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث للدول والشعوب.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )