المساء اليوم- متابعات: بعد تبني مجلس الأمن الدولي قرارا لصالح المغرب في قضية الصحراء، يبدو أن الدبلوماسية الجزائرية دخلت في اختبار صعب، يضاف إلى العلاقات المضطربة مع جيرانها وفرنسا. واعتبر مجلس الأمن في قراره أن "الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية قد يُمثل الحلّ الأمثل" لهذا النزاع الذي يتواصل منذ خمسين عاما، والذي جاء بمبادرة أمريكية وحظي بدعم واشنطن، إضافة إلى بلدين دائمي العضوية في المجلس المذكور، وهما فرنسا وبريطانيا. وعلى الرغم من معارضة الجزائر، تم تبني القرار يوم 31 أكتوبر الفائت، بأحد عشر صوتا، فيما امتنعت كل من الصين وروسيا وباكستان، الحلفاء الرئيسيين للجزائر عن التصويت. وفيما يشبه تناول قرص دواء يهدئ من الصدمة قال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف "لم ينجح المغرب في فرض الحكم الذاتي كحل حصري للقضية الصحراوية". انتكاسة للدبلوماسية الجزائرية ومع ذلك، "يشكل قرار الجمعة الفائت انتكاسة للدبلوماسية الجزائرية" على ما تؤكد سابينا هينبيرغ، الخبيرة في معهد واشنطن، مشيرة إلى "التحديات العديدة" التي تواجهها الجزائر. وتلفت الخبيرة إلى "تداعيات جهود المغرب حول قضية الصحراء، والتي بدأت تؤتي ثمارها الآن"، وأيضا إلى "التدخل الروسي في منطقة الساحل الذي أضر بالعلاقات بين موسكو والجزائر. وفيما مضى، اشتهرت الدبلوماسية الجزائرية بديناميتها قاريا ودوليا، واستطاعت على مدى عقود من اكتساح دبلوماسي كبير لصالح أطروحتها حول الصحراء والداعمة لليوليساريو، خصوصا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، في وقت كان المغرب شبه منكفئ على نفسه دبلوماسيا، ويجد صعوبة كبيرة في إيصال صوته إلى العالم حول عدالة قضيته. لكن الدبلوماسية الجزائرية شهدت تراجعا كبيرا منذ تعرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لسكتة دماغية في العام 2013. حينها، اختفت الجزائر إلى حد كبير من الساحة الدولية والإقليمية والعربية والأفريقية. وسعت لاحقا إلى استعادة مكانتها على الساحة الدولية، لكن إحباطاتها توالت الواحدة بعد الأخرى، بينما كان المغرب يحقق إنجازات غير مسبوقة في مختلف القارات. علاقات مبنية على توريد النفط وتوضح سابينا هينبيرغ: "لقد أظهرت الجزائر في السنوات الأخيرة رغبتها في لعب دور أكثر نشاطا على الساحة العالمية، وخصوصا من خلال انتخابها في مجلس الأمن الدولي" كعضو غير دائم، بينما اتخذت "خطوات محدودة لتعميق علاقتها الثنائية مع الولايات المتحدة". وبفضل الحرب في أوكرانيا، تمكن هذا البلد من أن يطرح نفسه كبديل لتوريد الغاز الطبيعي والنفط للدول الأوروبية التي تسعى إلى التقليل من اعتمادها على روسيا على صعيد الطاقة. وأرست تبعا لذلك علاقات قوية وخصوصا مع إيطاليا. ومع ذلك، "للسياسة الدبلوماسية الجزائرية حدود"، على ما يقول حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي. ومن الأمثلة على ذلك، فشل ترشح الجزائر للانضمام إلى مجموعة بريكس في صيف العام 2023. ويوضح عبيدي أن "الرئيس عبد المجيد تبون تلقى رفضا شبه مهين من روسيا"، الحليف التاريخي الذي يزود الجزائر معظم أسلحتها. التهدئة مع المحيط الإقليمي ويتابع "هناك تطور كبير في العلاقات الدولية"، معتبرا أن ثمة حاجة ملحة "لإعادة ضبط أهداف السياسة الخارجية" الجزائرية. بالمقابل، عاد المغرب الذي قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية معه، للانضمام إلى الاتحاد الأفريقي وأخذ يفرض قوته الاقتصادية والدبلوماسية على القارة. ويضيف عبيدي "لا يمكن للجزائر أن تتحمل البقاء في خلاف دائم مع فرنسا"، القوة الاستعمارية السابقة، مشيرا إلى أزمة غير مسبوقة تجسدت في دعم فرنسا لخطة المغرب بشأن الصحراء، والبلاد مطالبة أيضا بتهدئة العلاقات مع محيطها الإقليمي، وخصوصا مع مالي، بحسب عبيدي. لكن تبدو المهمة صعبة إذ تشترك الجزائر في أكثر من 1300 كيلومتر من الحدود مع مالي، التي تواجه منذ عام 2012 أعمال عنف جماعات جهادية. وفي نهاية مارس، أسقطت الجزائر مسيرة تابعة للجيش المالي بحجة أنها انتهكت مجالها الجوي. وردا على ذلك، قامت مالي وحلفاؤها في النيجر وبوركينا فاسو باستدعاء سفرائهم، متهمين الجزائر بتنفيذ "عمل عدائي متعمد". وبعد بضعة أسابيع، أعلنت الدول الثلاث رغبتها في "تسريع" المبادرة التي اقترحها المغرب لتعزيز ربط بلدانهم بالمحيط الأطلسي. توتر العلاقات مع الإمارات وصلت تداعيات هذا التوتر إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث تتهم الجزائر الإمارات العربية المتحدة بتمويل أو تزويد المجلس العسكري الحاكم في مالي بالأسلحة. كما تتهم الحكومة الجزائرية الإمارات بالتدخل في ليبيا، حيث تدعم أطرافا مثل المشير خليفة حفتر المناهض لأطراف آخرين تدعمهم الجزائر. وبالإضافة لهذا السياق الدولي المضطرب، يرى حسني عبيدي أن السياسة الخارجية للجزائر تعاني مشكلة بطء اتخاذ القرارات. ويعزو ذلك إلى "أن آلية عمل النظام السياسي الجزائري معقدة للغاية بسبب مشاركة الجيش وهيئة أركانه وأجهزة الاستخبارات في اتخاذ القرار".