المساء اليوم - متابعة: بعد شهور من "تجميع" حكومة عزيز أخنوش لتبريرات وأعذار للإجابة عن سبب هذا الغلاء الفاحش الذي يكتوي به المغاربة منذ أشهر، خرج الخميس الماضي الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، ليُقر بأن المجهودات التي قامت بها الأخيرة من أجل الحد من ارتفاع الأسعار لم تحقق الأهداف المطلوبة، مع تطمينات "للمرة الألف" بأن الأسعار ستعرف استقرارا خلال الأيام القادمة، لكنه لم يوضح أي "استقرار"، هو المقصود. ليخرج الأحد المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، في حوار مع منبر إعلامي مغربي ويؤكد أن الأسعار المرتفعة التي تسبب احتقانا اجتماعيا منذ عدة أسابيع لن تنخفض، وستصبح أمرا واقعا، وأن الوضعية ليست عابرة و ظرفية كما يُروج لها بل "مستمرة"، مُحذراً من انقراض الطبقة المتوسطة، داعياً حكومة أخنوش للتعامل مع الرأي العام باحترام، واعتباره ناضجا، و"إخباره بالحقيقة، حتى يكون على دراية بالإصلاحات، التي يجب القيام بها". الحليمي وفي حوار مع "ميديا 24" قال إن "التضخم أصبح عاملا هيكليا في اقتصادنا، وعلينا التعود على التعايش معه"، مرجعا ذلك إلى "نقص المعروض في السوق المحلي، وليس بسبب زيادة الطلب، التي من شأنها رفع الأسعار"، مناقضا بذلك ما صرحت به الحكومة حول كون التضخم "مستوردا" (له علاقة بالظروف والأسعار الدولية). فقرار بنك المغرب القاضي برفع سعر الفائدة "ليس هو الحل لخفض التضخم"، ووفق الحليمي، "والرافعة، التي يجب تفعيلها، هي الإصلاحات الهيكلية لسياسات الإنتاج لدينا، لأن مشكلة المغرب هي مشكلة عرض وليس طلب"، وحسب تعبيره، "علينا أيضا، أن نقبل أن تنمية بلدنا تعتمد، الآن، على زيادة الأسعار، وأن هذا التضخم جزء من فترة إصلاح، ونقلة نوعية في السياسات الاقتصادية، هذه هي الطريقة، التي تطورت بها العديد من البلدان في العالم، وهذا ما تعلمنا إياه أيضا، أدبيات ما بعد التصنيع. يجب أن نواصل جهودنا لتنمية البلاد، والتعود على التضخم". وحول بلوغ نسبة التضخم إلى 10.1%، بنهاية شهر فبراير، أوضح المندوب السامي للتخطيط أن "التضخم مدفوع، بشكل أساسي، بارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتي زادت بأكثر من 20%، على مدار العام"، مستشهداً "خذ حالة المنتجات الزراعية. في المغرب، أصبح الجفاف عاملا هيكليا، في السنوات الأخيرة. مع تطور المناخ، وموقعنا في منطقة شبه قاحلة، سنشهد مرة، كل ثلاث سنوات، في المتوسط، جفافا كبيرا. وحتى عندما تكون هناك تساقطات مطرية، فإنه لا يتم توزيعها، بشكل جيد، على كامل البلاد". وأضاف "وبالتالي، يجب أن ندرك أننا في وضع يجب أن تمر فيه الزراعة بثورة، من أجل تغيير نظام الإنتاج، والتحرك نحو السيادة الغذائية، والإنتاج لما نستهلكه، في المقام الأول، مع تحقيق أقصى قدر ممكن من التقدم التقني والتكنولوجي، لتحسين الغلة. بعد عامين من الجفاف، وسنة شبه جافة، العام الذي نشهده حاليا، نحن في وضع، حيث ننتج أقل من ذي قبل. لذلك، لدينا مشكل في العرض". أما الأمر الثاني، وفق الحليمي، هو "أن ما نستورده أصبح أكثر تكلفة، وسيظل كذلك، لأن تكاليف الإنتاج في جميع أنحاء العالم تتزايد، ولا تزال المخاطر الجيو إستراتيجية سائدة في السوق، أما العامل الثالث، الذي يوضح أن هذا التضخم سيكون دائما، فهي الاحتياجات الهائلة للاستثمارات، التي يحتاجها العالم، مع ضرورة التحول البيئي، وانتقال الطاقة، وإزالة الكربون الصناعي، ودمج التقنيات في أنظمة وخدمات الإنتاج. هذا له تأثير مباشر على تكاليف الإنتاج، والتي ستزداد، من سنة إلى أخرى، لتنعكس على أسعار المنتجات النهائية". وأكد "باختصار، سنحصل على واردات سترتفع تكاليفها، وإمدادات محلية غير كافية، بسبب الكارثة المناخية، التي تخلق خللا في السوق، وستتسارع أكثر، في السنوات القادمة، مع زيادة عدد سكاننا، وتغيير أنماط الاستهلاك. وهذا يجب أن يشجعنا على إدراك أن الزيادة في الأسعار ستصبح هيكلية". ودعا المندوب السامي للتخطيط حكومة أخنوش إلى "التعامل مع الرأي العام باحترام، واعتباره ناضجا، وإخباره بالحقيقة، حتى يكون على دراية بالإصلاحات، التي يجب القيام بها"، مضيفا "يجب أن نقول للمغاربة إنه يجب علينا أن ننسى أرقام النمو البالغة 4%، سنويا، والتي التزمت بها الحكومة في برنامجها، في الوقت الحالي، ما زلنا نتوقع 3.3%، لعام 2023. لكننا، بالتأكيد، سنراجع هذا الرقم نزولا، في شهر يونيو. سيكون من الصعب، بالفعل، تحقيق المزيد من النمو، في هذا السياق". وتابع: "ومع ذلك، ما أراه هو أننا نفعل العكس، تماما، بالقول إن كل شيء على ما يرام، وإن مشكل التضخم سيحل من خلال الآليات النقدية، لسبب بسيط، هو إسعاد المنظمات الدولية". وحول ما يجب إعطاؤه الأولوية، محاربة التضخم أم تسريع النمو، رد الحليمي إننا "نعيش حالة انفصام، فمن ناحية، نوزع الدخل على الشباب بأي ثمن، من خلال برامج، مثل "أوراش"، و"فرصة"، ونروج للشركات من خلال الإعانات أثناء تعبئة البنوك، ومن ناحية أخرى، نزيد تكلفة تمويل الاقتصاد"، مؤكداً "عدم وجود أي اتساق بين السياسة النقدية والسياسة المالية للبلاد".