“الطائرة الباطيرا”.. الحكاية الكاملة لهجرة سرية غير مسبوقة بين المغرب وإسبانيا

المساء اليوم – أ. مرادي:

حكاية “الطائرة الباطيرا”، كما سماها الإسبان، بين الدار البيضاء وإسطنبول، مرورا عبر مايوركا الإسبانية، لم تنته نهاية سعيدة كاملة، فمن بين  أزيد من عشرين شابا مغربيا هربوا من الطائرة، تم القبض على 12، وأودعوا السجن، بينما البحث لا يزال جاريا عن الآخرين، غير أن الحكاية ستبقى حديث الألسن لزمن طويل، لأنها تشكل سابقة حقيقية في مجال الهجرة السرية.

ومن خلال قراءة ما جرى، يبدو أنه تم الترتيب بين هؤلاء، في مجموعة على فيسبوك، لتمثيل وجود حالة طبية زائفة على الطائرة التابعة لشركة العربية للطيران، والتي كانت في طريقها من مدينة الدار البيضاء إلى إسطنبول التركية، وتم حبك السيناريو بدقة متناهية، غير أن نهاية الفيلم كانت مختلفة قليلا عن حبكة السيناريو.

كل المشاركين في هذا الفيلم الواقعي نجحوا في حفظ سرهم بدقة متناهية، ولم تتسرب خطتهم رغم أنهم شكلوا مجموعة فيسبوك أو واتساب، إلى أن هبطوا في مطار مايوركا، كما خططوا لذلك، وهربوا من من قلب الطائرة، كما كان مخططا. التحقيقات كشفت أن الراكب البالغ من العمر 32 عاما، الذي قام بتمثيل تعرضه لغيبوبة بسبب السكري، قد تم اعتقاله العام الماضي في ماربيا بجنوب إسبانيا، وله سجل إجرامي في “الهجوم على السلطة والمقاومة وإلحاق الضرر”.

وتعتبر السلطات الإسبانية الحادث شكلاً جديدا للدخول غير النظامي للمهاجرين، وهو أمر غير معتاد حتى الآن في إسبانيا، حيث يصل عدد كبير من الوافدين إلى المملكة الإيبيرية عن طريق البحر، فقد كان حدثا دراميا بامتياز، لكن هذه المغامرة الجريئة لم تكن كذلك فحسب، إذ أثارت تساؤلات ليس فقط حول سلامة المطارات، ولكن أيضا حول طرق الهجرة إلى أوروبا.

بدأت القصة كانت بعد ظهر يوم 5 نوفمبر 2021، إذ أقلعت طائرة تابعة لشركة العربية للطيران المغرب من طراز إيرباص A320 من الدار البيضاء في المغرب متجهة إلى تركيا. لم يمض وقت طويل على الرحلة التي استغرقت ست ساعات، ليتبين أن رجلا مغربيا كان على متن الطائرة يعاني من حالة طبية طارئة بسبب نوبة سكري. طلبت الطائرة الإذن بالهبوط في مطار سون سانت خوان في أرخبيل بالما دي مايوركا الإسبانية، حتى يتسنى له تلقي الرعاية الطبية.

عند الهبوط، نُقل الرجل في سيارة إسعاف إلى مستشفى سون لاتزر، برفقة الحرس المدني، مع رجل آخر كان مسافرا بصحبته. في هذه الأثناء، حاولت مجموعة من الركاب النزول من على متن الطائرة. وفي نهاية المطاف، تمكن أكثر من 20 راكبا، جميعهم مغاربة باستثناء فلسطيني واحد، من تجاوز الطاقم وموظفي المطار الذين كانوا يحاولون إغلاق باب الطائرة. وفي غمار تلك الفوضى تعرضت مضيفة جوية لإصابة.

وأظهرت لقطات صورها أحد الركاب الذين بقوا على متن الطائرة، العديد من الرجال يحاولون النزول بينما ركض آخرون، خرجوا بالفعل من الطائرة، عبر المدرج. تسبب وجود المدنيين على مدرج الهبوط في إغلاق المطار لنحو ثلاث ساعات، وتعطيل حوالي ثلاثين رحلة جوية. ثم تسلق الرجال الذين صعدوا إلى مهبط الطائرات السياج المحيط وهربوا.

في هذه الأثناء، تم تسليم الرجل الذي نُقل سابقا إلى المستشفى واعتقاله، بينما فر رفيقه من المستشفى لكنه ما لبث أن اعتقل هو الآخر. في الساعات التالية احتُجز ما مجموعه 12 مهاجرا، معظمهم بالقرب من المطار. ولا يزال 12 مهاجرا آخرين طلقاء، وقد سافر اثنان منهم على الأقل بعبّارة إلى برشلونة.

ويواجه المشتبه بهم تهما بارتكاب مجموعة من الجرائم، تتراوح بين تسهيل الهجرة غير الشرعية، وإحداث حالة فوضى عامة، والتحريض على الفتنة. وقد أثار الحادث دعوات لتشديد الإجراءات الأمنية في مطار بالما، وهو أحد أكثر مطارات أوروبا ازدحاما، ووعدت الحكومة الإسبانية بالاستجابة.

وقالت آينا كالفو، ممثلة الحكومة المركزية في جزر البليار، “إن الجهود التي تُبذل تأتي لضمان أن يظل هذا الحادث فرديا واستثنائيا تماما، إذ أن كل المطارات في العالم باتت على دراية بما حصل ومتيقظة في حال حدوث شيء مماثل”. القنصل المغربي في بالما، عبد الله بيدود، وصف الأمر بأنه “مغامرة غير مدروسة” و “لن تتكرر”.

لكن على الرغم من تصريحات القنصل، هناك تكهنات بأن طريقة الدخول إلى أوروبا، التي تطلق عليها بعض وسائل الإعلام الإسبانية اسم “القارب الجوي”، أو “الطائرة الباطيرا”، شكلت سابقة حقيقية في مجال الهجرة السرية وإبداعا لطرق غريبة في هذا المجال، خصوصا وأن تكلفة رحلة الدار البيضاء إلى إسطنبول تصل إلى 200 يورو، بينما سلك الطرق التقليدية في الهجرة السرية قد تصل على آلاف اليوروهات.

ويشير المعلق كاميلو خوسيه سيلا كوندي، إلى أن “الأمراض الزائفة ونوبات الهياج الجنونية، وطرق إبداعية أخرى للوصول إلى أوروبا” أصبحت الآن خيارا لا مفر منه للمهاجرين. وعلى الرغم من مخاوفه بشأن أمن المطارات، إلا أنه يرى أن مثل هذه البدائل أفضل من الطرق التقليدية “إذ تُجنب المهاجر الاحتمالات الكبيرة للموت في البحر، كما أنها لا تعود بأية فائدة على المافيا التي تتحكم بأعمال عبور البحار”.

وفي الوقت الذي تبحث فيه المطارات في إسبانيا وأماكن أخرى عن طرق لضمان عدم تكرار هذه الحادثة، ترى صحيفة “أي بي سي” اليمينية أن هذا المثال قد يكون بداية لتوجه جديد. وتصف الصحيفة ما يسمى بطريقة هجرة القوارب الجوية بأنها “اقتصادية أكثر بكثير… وأقل خطورة بمراحل، وبدون ديون ينبغي سداداها لاحقا، كما أن حظوظها في النجاح أكبر”.

أما حزب “فوكس” اليميني المتطرف، فقد رأى في الحادث إثباتا لموقفه المناهض للمهاجرين، ودليلا على أن الحدود الجوية والبرية والبحرية لإسبانيا بحاجة إلى مزيد من الإجراءات الشرطية. في غضون ذلك يستمر التحقيق في القضية، ويحرص المحققون على معرفة وتحديد الدرجة التي تم بها التحضير والتخطيط لتنفيذ عملية الهروب.

وفي ضوء أن جميع الرجال الذين فروا من الطائرة تقريبا لم يصطحبوا أية أمتعة، يعتقد البعض أنهم على الأرجح كانوا جميعا متواطئين في العملية منذ البداية. كما فحص فريق المحققين حسابا على فيسبوك تتبعه الآلاف من الشباب المغربي، ورد أنه نشر في يوليوز اقتراحا لتنفيذ خطة تشبه إلى حد بعيد خطة 5 نونبر.

وذكر المنشور أنه إذا قام أحد الركاب بادعاء المرض أثناء تحليقه فوق المجال الجوي الإسباني في طريقه إلى تركيا، فإن “الطائرة ستهبط إجبارياً في إسبانيا لحماية سمعة شركة الطيران، وتحرير نفسها من المسؤولية”. وأضاف: “اشترك إذا كنت مهتما”.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )