سميرة مغداد هل هي أزمة جيل كامل؟ هل تغيرت وانقلبت قيم الإحسان والبر بالوالدين تماما؟ ماالذي تغير.. ولم أصبح رضى الأبناء مبتغى أمهات وآباء هذا الزمن الفالت الذي شتت القيم عبر عوالم النت والرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي.. صراع الأجيال كلمة حفظناها نحن جيل الثمانينات، لما يحمله جيل بعد جيل من أفكار مختلفة تواكب العصر الذي يحيا فيه كل جيل على حدة، وهو الصراع الذي لم يكن لا يفسد لا للود ولا للأصول قضية. اليوم الصراع اختلف جذريا ووصل أحيانا حد جلد الوالدين معنويا ونفسيا ووضعهم باستمرار تحت المجهر. هل فرطنا في حقنا كأمهات وآباء؟ هل ارتكبنا أخطاء فادحة في التربية دون أن نفطن؟ لعل العامل الأساسي لهذه المفارقة هو الحرص على تأمين حياة أسهل وأيسر لأبنائنا، تبدأ بمنحهم حرية التعبير عن أنفسهم وتوفير الأساسيات بالضرورة والاستماتة في جعل الكماليات أيضا ممكنة. ولعلنا لم نحسن، أيضا، رسم الحدود مع أبنائنا وتبنينا سلطة الحب أكثر مايلزم. لقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا خطيرا في التأثير على طريقة التفكير الجمعي لأبنائنا ونقلت نماذج أخرى من قيم غريبة ومخالفة تماما، فأصبح البر وحسن الإنصات واعتبار كلام الوالدين أولا ليس أمرا ضروريا يستحق الانتباه، بل قد يتحول في نظر الأبناء إلى استبداد عاطفي تمارسه سلطة الأبوة أو الأمومة، كما أنه من المفاجئ حجم المصطلحات العلمية المتداولة في العالم الرقمي التي يواجهك بها الأبناء، مثل مفهوم النرجسية والعلاقة السامة والتبعية العاطفية.. إلخ. وقد يرددونها كما تلقونها بلغة أخرى خاصة الفرنسية والأنجليزية. أبناؤنا لايحبون اليوم تلبية أمر الوالدين، بل مناقشته واستيعابه جيدا من أجل إمكانية تقبله.. فالتكنولوجيا جعلت من أبنائنا خبراء ومتحدثين في كل شيء، بأجهزة إلكترونية اقتنيناها لهم نحن بطواعية من حر أموالنا ليكون "ولد الوقت أو بنت الوقت ".. هم يناقشون اليوم حتى مفهوم الرضى الذي عشنا نحن جيل الثمانينات وما قبله نبحث عنه من أجل البركة والتيسير. غابت أمور دينية وروحية عن الجيل الجديد، وقد تجد نفسك في صدمة صاعقة وابنك يسائلك لم جئت بي إلى الوجود وتحمل مسؤوليتك.. أنا لم أطلب منك ذلك..! لا ننكر أيضا أن ثمة آباء وأمهات لايستحقون أبناءهم بسبب تملصهم من مسؤوليتهم، وقد يمارسون باستمرار عنفا رمزيا اتجاه أبنائهم بأسم الأبوة أو الأمومة لا غير؛ بينما مسؤولية الوالدين عظيمة لأنها ترعى حياة بكاملها... المهم وجب أن نُعود أنفسنا على تحولات كبرى وخطيرة أحيانا، وأن لا نحبط ونعي تماما أننا أمام جيل يبحث عن الأفضل وعن الرفاهية المثلى التي تتداولها مواقع وصور جاهزة من حيوات مزيفة بعيدة عنا .. لكن اختلط الحابل بالنابل وتهنا ووجب أن نضبط إيقاع علاقاتنا مع ابنائنا تحت نظام عالمي جديد، لدرجة أصبحنا اليوم ندعو الله أن يرضى علينا أبناؤنا ويفخرون بنا ماتبقى لنا من عمر وسط الفوضى العارمة من المفاهيم الجديدة وشعار الفردانية والأنانية الذي ساد واستأسد. في كل الأحوال، علينا أن نتمالك أعصابنا وأنفسنا ونتقن التواصل مع أبنالنا لحفظ شعرة معاوية من الود المتبقي بيننا وبينهم، فقد يحرمنا منهم تنين التطور التكنولوجي الزاحف دوما. حكمة قديمة أنهي بها هذا المكتوب، والتي رددها بعض أجدادنا الحكماء تقول "طيعوا ولادكم ليغلبوكم". والله غلبونا وغلبنا زمنهم..لذا انتبهوا أيها الآباء وأيتها الأمهات.. فرضى الأبناء عليكم مطلب أساسي في زمن الفورة التكنولوجية الهائلة.. والله يدينا فالضو..