المساء اليوم: في كل مراكز تحاقن الدم، من السعيدية إلى الكويرة، يتجمع عدد كبير جدا من المتبرعين الذين استجابوا لنداءات التبرع بالدم بعد نكبة زلزال الحوز، بل زلزال المغرب، الذي فاجأ العالم في قوته. لم يكن الناس في حاجة إلى مقدمين وقياد وباشوات لتعبئتهم في "الكيران" والذهاب بهم إلى مراكز التبرع، بل خرج الناس عن بكرة أبيهم وتجمعوا حول مراكز تحاقن الدم، وأحيانا انتظروا ساعات طويلة لفعل ذلك. هؤلاء هم المغاربة الذين نعرف، فهم في النائبات كثر.. كثر جدا، ويعرفون جيدا معنى التآخي والتآزر في أشد الأوقات حلكة، ويطبقون حرفيا وواقعيا معنى "تمغرابيت". كل ما نتمناه هو أن تكون مراكز تحاقن الدم متوفرة على ما يكفي من الأجهزة المتطورة لحفظ هذه الدماء الثمينة في أفضل الظروف حتى تصل لإخواننا في المناطق المنكوبة، وحتى في حال وجود فائض في الدم فإن المطلوب هو حفظه لما تبقى من الأيام والشهور. المغاربة أبانوا أيضا عن حس تضامني رفيع وهم يجمعون التبرعات من كل الأشكال ويملؤون الشاحنات بالألبسة والأغذية والأغطية لكي تتوجه نحو المناطق المنكوبة، لقد فعلوا ذلك بشكل غريزي لا مكان فيه لنفاق أو رياء، وبعيدا جدا عن كاميرات التلفزيون وصور وسائط التواصل. ومن المثير حقا أن الكثير من الأطفال أفرغوا حصالات نقودهم من حفنات الدراهم وطلبوا إرسالها للأسر المنكوبة بالزلزال، رغم كل الظروف العصيبة ماديا للأسر المغربية في هذا الوقت الصعب المرتبط بالدخول المدرسي. لكن إلى حد الآن، نرى المغاربة البسطاء فقط من يهرعون إلى تقديم المساعدة من دمائهم ومدخراتهم البسيطة، أما الأغنياء وكبار المليارديرات فلم نسمع عنهم أي شيء حتى الآن. عموما، لا نملك إلا أن نقول هنيئا للمغاربة بحسهم التضامني الرفيع، ولن يكتمل هذا التضامن إلا عندما نرفع صوتنا عاليا بضرورة محاسبة كل الذين جعلوا مستشفياتنا مجرد "كاراجات" للخردة، وكل الذين أغمضوا عيونهم عن بناء العشوائيات، وكل الذين نهبوا ميزانيات الطرقات.. وكل الناهبين الفاسدين الذين كان لهم دور رئيسي في جعل نكبة الزلزال أكبر وأقسى.