سميرة مغداد استفزتني بعض الذكريات من زمن مضى، أيام طقوس الاحتفالات بنهاية العام، فقد كانت مكالمة صديق عزيز كفيلة بأن أستحضر كلمة كنا نرددها وهي "نوتشي بوينا"، وهي تعبير اسباني يعني الليلة السعيدة، تُتداول كعبارة تهنئة بأعياد الميلاد ليلة 26 من ديسمبر. لكننا كأطفال كنا نحب رأس السنة لشيء أساسي وهو شراء حلوى كنا نطلق عليها "موتشوينا"، نسبة إلى نوتشي بوينا، وهي حلوى يعرفها جيلي وأجيال أخرى قبلي أو بعدي بقليل. كانت حلوى لذيذة مغلفة بورق براق نبتاعها من البقال ب 50 فرنكا للواحدة، إن لم تخني الذاكرة بداية الثمانينات، أو كنا نتلقاها هدية من خالتي في "كاستيوخو" رحمها الله، حيث كانت خيرات الإسبان تأتي من سبتة في الجوار. كنا نلتهم هذه الحلوى الإسبانية المشهورة بشهية كبيرة، فلذتها لا تقاوم، مصنوعة من مسحوق اللوز والسكر الناعم والزبدة منسمة بالقرفة وحبة حلاوة، قبل أن ننتبه بعد مرور زمن من الاستمتاع بتناول هذه الحلوى، أنه علينا الانتباه وقراءة الورق الذي يلفها لأن بعض الأنواع يستعمل فيها شحم الخنزير، وحتى بعض النبيذ. أحيانا كثيرة لم نكن نقاوم مذاقها ولا يمكننا التدقيق كل مرة في قراءة المكونات فنسمي الله ونلتهمها. هذه "الموتشوينا" سنعرف فيما بعد أنها تسمى عند الإسبان بـ"بوربورونيس"، وتستهلك كثيرا في الاحتفال بأعياد الميلاد، ويعني الاسم الغبار أو البودرة، لأنها تتفتت بسهولة كبيرة وتصبح كالغبار. مع مرور الوقت وعيت بأنها تشبه إلى حد كبير "لغريبية د السمن" عند طنجاوة، أو "البهلة" عند أهل الرباط وفاس. لكن الغريبية ظلت غريبة عنا ولم نوليها اهتماما كبيرا في طفولتنا، كنا نفضل عليها الموتشوينا المستوردة اللذيذة التي نلحس أصابعنا وراء أكلها، علما أن أمهاتنا كن يحاولن تقليد هذه الموتشوينا ويصنعن لنا حلوى "البيّان" المفندة في السكر كْلاصي، ويغلفنها في أوراق خاصة رفيعة بأهداب . بعد أن كبرت اكتشفت البهلة الغريبية المغربية الأصيلة التي تفننت أيادي النساء في صنعها وإدخال لمسات عليها ونكهات زنجلانية أو لوزية . نسيت "الموتشوينا" التي ارتبطت بأيام الصبا اللذيذة في طنجة والحسيمة وما جاورها. اليوم نضجنا أو هرمنا، لم نعد ننبهر كثيرا أمام حلويات الضفة الأخرى، وأصبحنا أكثر اهتماما بمنتوجاتنا المحلية، فما أبهى البهلة والسفوف المغربي الغني بالنكهات والحلوى دالبيان، وشكرا لكورونا أيضا، التي جعلتنا مرتبطين أكثر بالصنع المحلي واستحضار نكهات الطبخ والحلوى الأصيلة. فرأس السنة يمكن أن يكون بالرفيسة وكؤوس الشاي بالنعناع العبدي والشيبة، مرفق بالغريبة وكعب الغزال وحلوة "التقينا"الشعبية الملتصقة بالمربى والكوكو... "نوتشي بوينا "لكل الأحباء والأصدقاء في العالم .غبار البوربورونيس مازال عالقا بذاكرة ممتعة.. ستمضي الأعوام ويبقى غبار الذكريات.سنة حلوة. · مديرة مجلة "سيدتي" بالمغرب