الوساطة الخليجية بين المغرب والجزائر.. تخفيف حدة التوتر في أقل الأحوال

المساء اليوم – حسنية أسقال:

الأزمة المشتعلة بين المغرب والجزائر باتت أكثر حدة، دبلوماسياً، في الفترة الأخيرة، وإن كان قطع العلاقات بين البلدين، لا يُعد مفاجئا، بالنظر إلى تاريخ التوتر الطويل بين الرباط والجزائر، لكنه يُمثل انهيارا جديداً في العلاقات الثنائية المحدودة بالفعل.

الملك محمد السادس، رمى الكرة في ملعب الجزائريين حين دعا الرئيس عبد المجيد تبون، إلى تغليب منطق الحكمة، في خطاب العرش في الـ31 من يوليوز الماضي، إلاّ أن هذه الدعوة لم تجد آذانا صاغية لدى الطرف الجزائري، الذي على عكس المتوقع يبدو مصمما على التصعيد، حيث كان آخر قراراته، بعد سحب سفيره وقطع علاقاته الدبلوماسية مع المغرب، إغلاق مجاله الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية.

قرار الجزائر إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية، وإن كان أثره محدودا على مستوى الرحلات الجوية، حسب تصريح الخطوط الملكية المغربية، إلاَّ أنه أعاد الخلاف للواجهة وبطريقة، أقل ما يُقال عنها دراماتيكية، خصوصاً بعد أن كانت هناك أنباء تروج حول وساطات غربية وعربية بين الجارين، وأبرزها الوساطة الخليجية بقيادة السعودية.

التحركات الخليجية المتتالية تجاه المغرب والجزائر في الأيام الأخيرة، تباينت الآراء بشأن أهدافها، البعض اعتبرها مؤشراً إيجابيا من البلدين، لأجل إصلاح ما يُمكن إصلاحه في علاقات مُتضررة منذ أعوام، عبر فتح حوار غير مباشر، فيما رأى البعض الآخر، أنها مجرد “دعاية للقيادات الجديدة التي تسلمت مقاليد السلطة في الخليج، ولن تُفضي لشيء يُذكر، خاصة أن خليج اليوم، القابع على فوهة بركان من الخلافات والتجاذبات السياسية الطاحنة، ليس ذاك الخليج المتراص في الثمانينات”.

الوساطة الخليجية تقودها السعودية، التي يبدو أنها تريد أن يكون لها دور في جمع الفرقاء الجزائريين والمغاربة بعد طول شقاق بين الطرفين، فعلاقات الرياض مع كل من الجزائر والمغرب قوية، حيث لديها استثمارات ومصالح في البلدين، وتسعى، لتخفيف حدة التوتر بين العاصمتين في أقل الأحوال”.

تقرير حديث لـ”معهد دول الخليج العربي في واشنطن”، قال إن المغرب والجزائر كقوتان إقليميتان لن يخاطرا بمواجهة مباشرة، “لكن قد يحدث صدام غير مقصود عندما تتصاعد التوترات”.

خبراء يروون أن الوسيط الخليجي لن يكون قادراً على لعب دور كبير في التأثير على قرارات القيادة في البلدين، و”رغم ذلك، ستُولي الجهات الخليجية اهتماما وثيقا للنزاع للتأكد من أنه لن يتحول إلى صراع مباشر أكبر يهدد الاستقرار الإقليمي والروابط السوقية الاستراتيجية، (بين أوروبا والبحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا)، والتي تعد ذات قيمة للقوى العالمية مثل أوروبا والصين وكذلك الجهات الفاعلة الإقليمية مثل دول الخليج وتركيا”.

ورأى التقرير أن الخلاف اشتد بين الجزائر والمغرب، حينما أعلنت الرباط عن اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في مقابل إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اعتراف واشنطن رسميا بالسيادة المغربية على الصحراء.

فحسب “معهد دول الخليج العربي في واشنطن”، التوترات بين المغرب والجزائر “تنبع في المقام الأول من ضعف العلاقة الثنائية وعدم الثقة والتنافس الإقليمي، ولكنها قابلة للتفاقم بسبب الصراع الأوسع وديناميكيات المنافسة في المنطقة، خصوصاً أن كلا البلدين يتبنى سياسات خارجية متناقضة فيما يتعلق بالمسائل الإقليمية.

المصالح الخليجية في المغرب العربي تركزت في الفترة الأخيرة، بشكل أساسي في ممارسة النفوذ السياسي والاستثمار وزيادة التواصل مع الأسواق الأوروبية والأفريقية، حيث تُعد دول شمال إفريقيا بوابة اقتصادية رئيسية للأسواق الاستراتيجية، كما أنها ساحة لتنافس القوى الدولية والإقليمية على النفوذ السياسي والاقتصادي.

فالمغرب لديه علاقات مع دول الخليج أقوى بكثير من الجزائر، حتى أن مجلس التعاون الخليجي دعا المغرب والأردن في 2011، للتقدم بطلب العضوية، فيما اعتبره البعض حينها، محاولة لتكاتف الدول الملكية في جميع أنحاء المنطقة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية.

كما العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية للمغرب مع الإمارات بشكل خاص، نمت منذ 2011، إذ تُعد الإمارات المستثمر الخليجي الرائد في المغرب وثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر بعد فرنسا.

فيما تُعد العلاقات الاقتصادية لدول الخليج مع الجزائر محدودة مقارنة بتلك مع المغرب وتونس، لكن في الوقت الذي تتطلع فيه الجزائر إلى التنويع الاقتصادي وتطوير الأسواق غير الهيدروكربونية، فإنها تسعى لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي.

وبالتالي فإن دول الخليج، والسعودية بالأخص، لديها مصلحة في حصول تقارب جزائري مغربي، بما يدعم الاستثمارات التي تملكها في البلدين، فالدول الخليجية تُدعم المغرب ولكنها ليست ضد الجزائر.

فالإمارات افتتحت في الـ2 من يوليوز الماضي، المنتدى الاقتصادي المغربي الإماراتي في مدينة العيون، وذلك بعد أن افتتحت قنصلية بها في نونبر 2020 ثم التحقت بها البحرين، معلنةً فتح قنصلية لها.

لكن على الجانب الآخر، تُدير شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية بعض الموانئ في الجزائر، وتمتلك قطر مشروعين استثماريين رئيسيين في الجزائر، شركة “أوريدو” للاتصالات، ومجمعًا للصلب تموله الدوحة بـ4.2 مليون طن سنويًا في منطقة جيجل الشرقية، كما أن الجزائر ما تزال تحتفظ بمجالس أعمال مع دول الخليج، في سعيها لتعزيز التجارة والاستثمارات الثنائية.

الوساطة الخليجية، التي تقودها السعودية يعتبرها البعض، إحياءا للدور المماثل الذي لعبته الرياض في ثمانينيات القرن الماضي، وأنهى آثار حرب دامية بين الجارتين في ذلك الحين، وأفضى إلى مصالحة تاريخية أنهت القطيعة وأعادت العلاقات الدبلوماسية وتم على إثرها تبادل السفراء وفتح الحدود، وإلغاء فرض تأشيرة بين الشعبين، وإرساء مشاريع اقتصادية مشتركة وغيرها.

ويرى البعض أن المصالح الكثيرة والاستثمارات التجارية بين دول الخليج وكل من المغرب والجزائر، ستكون عنصراً مساعداً في الوساطة، إن لم تكن محركها الرئيسي، ناهيك عن الدواعي الأمنية المتمثلة في تأثير هذه القطيعة، على ملفات تمس الدور الخليجي المتصارع في كلٍ من ليبيا وتونس، إضافة إلى ملف الهجرة والجماعات المسلحة في الساحل ومخيمات تندوف، والقريبة من حدود كلتا الدولتين، الأمر الذي يستدعي  ضرورة تخفيف حدة التوتر القائمة بين البلدين.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )