المساء اليوم - ع. الدامون بعد عدة أيام على خطاب الملك محمد السادس، والذي مد فيه، مرة أخرى، يد الصلح والود نحو الجزائر، لا يبدو أن هذه الأخيرة مستعدة لرد واضح ومباشر، كما كان حال الخطاب الملكي، لكن الجزائريين يمارسون نوعا آخر من الرد. ويبدو هذا الصمت الجزائري مفهوما إلى حد ما، رغم أنه غير ودي، بالنظر إلى أن الجارة الشرقية تنظر بنوع من الذهول إلى هذا التوجه العالمي نحو الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، سواء بشكل مباشر، أو عبر دعم مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية. وآخر الأحزان الجزائرية، أو لنقل الصدمات، حتى يكون التعبير دبلوماسيا، هو تجديد الموقف الأمريكي من ملف الصحراء، وفيه تأكيد على السيادة المغربية، بمعنى أنه "انتهى الكلام"، كما يقول الشيخ بنكيران. بطبيعة الحال، لا أحد يتوقع أن يكون رد الفعل الجزائري على واشنطن هو نفسه الذي حدث مع إسبانيا وفرنسا مثلا، ومن غير المنطقي أن تهدد الجزائر بقطع العلاقات مع أمريكا وتستدعي سفيرها في واشنطن، أو تطرد الشركات الأمريكية، بل بالعكس تماما، ففي الوقت الذي أكدت فيه واشنطن السيادة المغربية على الصحراء، كانت الشركات الأمريكية توقع المزيد من اتفاقيات الغاز والنفط مع الحكومة الجزائرية..! لهذا السبب، يمكن أن نجزم بأن جيراننا فهموا أخيرا أن السير في أطروحة الانفصال وخلق كيان بالجنوب المغربي يدخل في باب الخيال العلمي، فكان لا بد أن تحدث انعطافة ما، وهذه الانعطافة تمثلت في تصريح سابق لمسؤولين جزائريين قالوا فيه بصريح العبارة: الجزائر ستقبل بما تقبل به جبهة البوليساريو... ومعنى هذا الموقف واضح، إنها رسالة إلى البوليساريو تقول: رجاء.. أخرجونا من هذه الورطة التي استمرت نصف قرن..! وربما لهذا السبب، أي تجنب الإحراج، قررت الجزائر أن ترد على الخطاب الملكي بأسلوب مختلف، فقررت إطلاق عملية ترميم وصباغة في سفارتها المغلقة بالعاصمة الرباط، وهو أسلوب دبلوماسي، على الطريقة الجزائرية، مفاده أن السفارة ستفتح أبوابها قريبا، وستعود بعض المياه إلى مجاريها، قبل أن تعود كاملة في مقبل الأيام، وربما في مقبل الشهور. ما يكرس هذا الاعتقاد هو أنه لا وجود لدخان بلا نار، ولا وجود لصباغة وترميم في غياب نية العودة، وهذا طبعا شأن جزائري، لأنه يمكنها ترميم وصباغة سفارتها وتركها فارغة، ولن يأسف المغاربة كثيرا لهذا الأمر..! ووفق ما تقوله مصادر مطلعة فإن العناية بمقر السفارة الجزائرية امتدت لتشمل المكاتب وتجهيزاتها والفضائيات الداخلية وعدد من التفاصيل الصغيرة، وإذا أضفنا إلى كل هذا تفصيلا قد يبدو بسيطا، فسنفهم السياق العام بشكل أفضل. ففي الأيام القليلة الماضية استقبل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الكاتب رشيد بوجدرة، وهو جزائري الجنسية ومعروف بدعمه للوحدة الترابية للمغرب، وفي الوقت نفسه تم الإبقاء على الكاتب الفرنسي، من أصل جزائري، بوعلام صنصال، في السجن، بعد إدانته بالسجن النافذ، بعد أن تحدث سابقا عن اقتطاع فرنسا لأجزاء واسعة من التراب المغربي وإلحاقها بالجزائر، الفرنسية آنذاك، وهي ما يعرف حاليا بالصحراء الشرقية. الرسالة تبدو هنا شبه واضحة. أي أنه يمكن للجزائر تغيير موقفها من الصحراء المغربية، ولكنها لن تتهاون في موضوع الصحراء الشرقية، التي لا يطالب بها المغرب رسميا، على الأقل حتى الآن. عموما.. هناك شيء ما يطبخ في العلاقات المغربية الجزائرية المقطوعة منذ 2021، وهناك كلام ما عن وساطة أمريكية أو سعودية، لكن في كل الأحوال هناك مسألة أساسية يبدو أن الإخوة في الجزائر اقتنعوا بها أخيرا، وهي أن الصحراء موضوع انتهى إلى الأبد، وأن عبارة الملك محمد السادس "المغرب في صحرائه.. والصحراء في مغربها"، أكدت أنها معادلة حسابية لا تقبل الجدل، تماما مثل 1+1 = 2.