بعد انقلاب الغابون.. العرض الروسي الصيني أكثر إغراء!

عبد الله الدامون

الانقلاب في الغابون فاجأ الكثيرين في بلد مستقر منذ عهد رئيسه الراحل عمر بانغو، لكنه لم يترك الطريق معبدا بما يكفي لنجله وخلفه علي بانغو.. الذي أطاح به انقلاب عسكري مؤخرا وحوله من رئيس جمهورية إلى مجرد أسير في قصره يستجدي العون من الآخرين ويتساءل عن مصير ابنه وزوجته.

إفريقيا هي إفريقيا حتى لو تغيرت الكثير من الأشياء، لكن عمقها لا يتغير. إنها قارة ضيعة موزعة بين كبار الإقطاعيين في العالم، قارة مثل كعكة يتقاسم ثرواتها العالم الغني، بينما يظل أغلب الأفارقة حفاة عراة يسرقون الفتات المتساقط من بين أنياب القوى العظمى.. وهي في الأصل ثرواتهم. من الغريب أن يصبح صاحب الثروة مجرد لص يحاول أن يسرق بعض فتات ثروته من بين أنياب لصوص أكبر منه!

الغابون بلد مستقر منذ عقود طويلة، والرئيس الراحل الحاج عمر بانغو ترك حكما شبه مستقر لنجله علي بانغو، صحيح أن الطريق لم تكن مفروشة بالورود للحاج علي، لكنه استطاع على الأقل أن يحقق استقرارا نسبيا، لكن الخوف ظل دوما يراوده من خصومه الذين كانوا يتحينون الفرصة للانقضاض.. وكذلك فعلوا في صباح باكر قبل أن تشرق شمس المحيط على جنبات القصر الرئاسي الذي تحول إلى سجن للحاج علي بانغو.

لا يجب أن نغفل أن ما حدث في الغابون جاء بضعة أسابيع على الانقلاب في النيجر، وهي أيضا مثل الغابون، حليف قوي لفرنسا والغرب وبها ثروات مذهلة، فجاء الانقلاب في الغابون لكي يشتت اهتمام فرنسا ومن معها وتصبح النكبة نكبتين.

وقبل النيجر والغابون حدث ما حدث في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، ومن المحتمل أن هذه الموجة من الانقلابات لن تتوقف قريبا، فهذه القارة المنكوبة تعيش بالتأكيد مراحل فاصلة من تاريخها، لكن من الصعب جدا أن نقول إنها تسير نحو الانعتاق من أغلال الشركات الغربية المتوحشة، و هذه الشركات ليست سوى أقنعة ملونة للحكومات الغربية التي لا تزال تمارس دور النخاسة في إفريقيا.. لكن بشكل مختلف قليلا عن تجار العبيد القدماء.

اليوم سيكون على فرنسا أن تنسى قليلا انقلاب النيجر وتركز أيضا على انقلاب الغابون، وربما تستفيق بعد أيام على انقلاب آخر، فعدوى الانقلابات في إفريقيا مثل عدوى الزكام، بمجرد أن يبدأ أحدهم بالعطس حتى يتبعه آخرون.

لكن ما جرى في النيجر والغابون، وقبل ذلك في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، لم يكن دون سبب، فإفريقيا تعيش بالتأكيد مرحلة حاسمة من تاريخها، فإما أن تحاول الانعتاق من وحشية الشركات الغربية أو تدفن نفسها بنفسها إلى الأبد.

سنكون واهمين لو اعتقدنا أن العسكر في إفريقيا يستيقظون في الصباح ويقررون القيام بانقلاب عسكري، فهناك الكثير من الحسابات الاقتصادية، بالأساس، التي تحرك كل هذا، فالعرض الذي تقدمه فرنسا، ومعها أوربا، لم يعد مقبولا لدى الجيل الجديد من الأفارقة، لذلك يلتفت ضباط أفارقة شباب نحو عروض أكثر إغراء تأتيهم من الصين وروسيا بالأساس وتمنح إفريقيا هامشا أكبر من الربح، أو لنقل هامشا أقل من الخسارة، وهذا ما يجعل الكثير من أنصار الانقلابات يخرجون بسرعة إلى الشوارع لمساندة الحكام الجدد وهم يحملون الأعلام الروسية والصينية.. ومن الأكيد أن الكثير من المتظاهرين لا يعرفون أعلام من تلك التي يحملونها.. لكن الذين سلموها لهم يعرفون ذلك جيدا.

انقلاب الغابون، وقبله النيجر، ستتلوه انقلابات كثيرة أخرى، لكن لا أحد يجزم أي مستقبل ينتظر هذه القارة التي تبدو بلا مستقبل..!

damounus@yahoo.com

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )