بعد سنوات من الركود: النيابة العامة تُعيد فتح ملف “واد مرتيل”

المساء اليوم – مرتيل:

في واحدة من أكثر القضايا البيئية والسياسية إثارة للجدل في شمال المغرب، أعادت النيابة العامة فتح ملف واد مرتيل، بعدما أحالته رئاسة النيابة العامة بالرباط على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بتطوان لتوسيع دائرة البحث القضائي.

ويرى مراقبون أن إعادة فتح الملف يعتبر مؤشراً لدى العديد من المتابعين على دخول الملف مرحلة جديدة يتقاطع فيها القانون مع السياسة والمال العام.

وتعود بداية هذا الملف إلى سنة 2018، حين وجهت تنسيقيات المجتمع المدني بمرتيل، وعلى رأسها التنسيقية المحلية لنظافة واد مرتيل ومحيطه، التي تضم سبع عشرة جمعية، شكايات إلى الجهات القضائية تتهم فيها شركة “أمانديس” المفوض لها تدبير الماء والكهرباء والصرف الصحي، بارتكاب خروقات بيئية جسيمة من خلال فتح قنوات للصرف العشوائي وصب المياه العادمة مباشرة في الواد. وقد أدى ذلك إلى تلوث متزايد وتهديد مباشر لصحة السكان، خاصة في أحياء الديزة وبينيرة والسوق.

وأعيد فتح الملف سنة 2021، حين تحركت النيابة العامة بابتدائية تطوان وأحالته على الفرقة الوطنية للدرك الملكي بالرباط لإجراء تحاليل مخبرية للمياه والنفايات، في خطوة وصفها محامون ونشطاء بأنها انتصار لسيادة القانون تحت ضغط المجتمع المدني.

وعاد الملف إلى الواجهة بقوة بعدما فجّر المستشار الجماعي محمد أشكور شكايات جديدة مدعومة بصور وفيديوهات توثق عمليات طمر “الذراع الميت” بواسطة شاحنات محملة بالردمة والحجارة، موجهاً أصابع الاتهام إلى مسؤولين جماعيين نافذين، من بينهم رئيس جماعة مرتيل. وقد أثارت هذه المعطيات ضجة واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، ودفع البلاغ غير الموقّع لجماعة مرتيل، الذي جاء بتبريرات اعتُبرت غير مقنعة، إلى زيادة غضب الشارع المحلي.

ومع تراكم هذه الوقائع، لم يعد الملف يتعلق بمجرد سوء تدبير محلي، بل أصبح يندرج ضمن دائرة الجرائم البيئية والمالية المنصوص عليها في القانون المغربي. إذ ينص القانون 11-03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة في مادته 62 على معاقبة كل من يقوم بطرح مواد ملوثة في المياه السطحية أو البحرية دون ترخيص، كما يحظر القانون 36-15 المتعلق بالماء تصريف المياه العادمة أو أي مادة ملوثة في الملك العمومي المائي، ويعاقب المخالفين بغرامات تصل إلى نصف مليون درهم مع إمكانية الحكم بالحبس.

وتتسع أبعاد الملف لتشمل الشق المالي، حيث تثار تساؤلات حول استعمال شاحنات وجرارات بتمويلات عمومية في عمليات الطمر، ما يفتح الباب أمام فرضية هدر المال العام أو توجيه اعتمادات مالية في غير محلها.

وقد تندرج هذه الوقائع ضمن اختصاص المجلس الأعلى للحسابات بمقتضى الفصل 147 من الدستور والقانون 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، كما يمكن أن يمتد أثرها إلى قانون محاربة غسل الأموال إذا ثبت وجود صفقات وهمية أو تحويلات مالية مشبوهة.

ولا يقف البعد القانوني عند هذا الحد، بل يتقاطع مع الحق الدستوري في بيئة سليمة المنصوص عليه في الفصل 31 من الدستور المغربي، مما يحول القضية من مجرد نزاع محلي إلى مسألة حقوقية تمس الأمن البيئي والصحي للمواطنين. كما يجعلها اختباراً لمدى التزام الدولة بربط المسؤولية بالمحاسبة، كما ورد في الخطابات الملكية المتكررة الداعية إلى ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية وحماية المال العام.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )