ناصر جابر هذا ما أعاد التذكير به الفشل الذريع لجهيد زفيزف رئيس الفيدرالية الجزائرية لكرة القدم، في الحصول على مقعد داخل المكتب التنفيذي للاتحاد الافريقي لكرة القدم (الكاف) في مواجهة زميله الليبي – بفارق أصوات كبير 38 مقابل 15- لتمثيل منطقة شمال افريقيا في الهيئة الافريقية، التي تحتل فيها الجزائر مكانة متميزة كأمة لكرة القدم، حققت الكثير من الإنجازات على مستوى اللعبة ذاتها، وفي بناء هياكل رياضية في المدة الأخيرة، بعد طول انتظار. عكس ليبيا التي لم تعرف تاريخيا كأمة حاضرة قاريا في ميدان رياضة كرة القدم، ناهيك عن وضعها كدولة تعيش ما يشبه الحرب الأهلية منذ سنوات طويلة، يفترض أنها أثرت سلبا في أدائها الدبلوماسي، مقابل الجزائر التي يحتم عليها التنافس الذي تعيشه في مواجهة دول الشمال الافريقي كمصر والمغرب وتونس أن ترفع تحديات أكيدة ليس فقط في المنافسات الرياضية، كما جرت العادة، بين شعوب الإقليم، بل في إنتاج نخب ممثلة، تحتل مواقعها في المؤسسات القارية التي غابت عنها في أوقات الأزمة التي عاشتها. فشل جزائري لا يمكن تفسيره فقط بما يميز شخصية الرجل التي يظهر عليها الكثير من عدم الثقة في النفس والانطوائية، تجعله غير قادر على التواصل السهل مع محيطه المهني، كما يظهر من خلال لغة الجسد من بعيد، جعله أقرب إلى الصورة النمطية للجزائري متجهم الوجه، الذي لا تعرف الابتسامة طريقها إليه. انطباع قد لا يكون صحيحا مع ذلك، وقد نكون نظلم الرجل الذي لم يسبق لنا معرفته معرفة مباشرة، قد يكون الأصح القول إنه لم يتم تحضيره بالقدر الكافي لاحتلال هذا الموقع المهم على المستوى القاري، مثل غيره من الوجوه التي تغامر بتمثيل الجزائر في المحافل الدولية على أكثر من صعيد. في وقت كانت فيه الجزائر في حاجة إلى شخصية عامة، تملك الحد الأدنى من العلاقات الإنسانية، تعرف كيف توظفها في الوقت المناسب لصالح البلد الذي يكون قد خسر الكثير في عملية إنتاج هذا النوع من» الشخصيات»، نتيجة حالة الاضطراب التي عاشها النظام السياسي في السنوات الأخيرة، بما فيها المؤسسات الرياضية الوطنية التي زاد فيها بشكل كبير منسوب الفساد، وقلّت فيها إنتاجية الوجوه الوطنية المؤهلة لاحتلال مواقع دولية، لم تعد الجزائر للأسف قادرة على إنتاجها بالكم والكيف المطلوبين، ليس في المجال الرياضي فقط، بل في أغلبية القطاعات الأخرى، كما يظهر على مستوى الجامعة التي فقدت قدراتها على إنتاج نحب نوعية، مثلها مثل الحزب السياسي والبرلمان والانتخابات التي تخصصت في رسكلة العملة السيئة الطاغية على السوق، بعد أن غادرتها العملة الجيدة التي لم تعد الانتخابات تستهويها، ولا الحزب السياسي بالطريقة التي يتم توظيفها بها بعد أن أُفرغت من محتواها البشري الحي. عجز يجد تفسيره الأساسي في الأدوار الممنوحة للرياضة – كرة القدم على رأسها – التي تعامل معها النظام السياسي كوسيلة تلهية للمواطنين – الشباب تحديدا – وصرف أموالا طائلة على «نخب رياضية «غير قادرة على تكوين فرق رياضية يتميز عملها بالاستدامة والقدرة على تكوين فائض نخبوي، تعودت بالعكس على الاعتماد على ما تجود به الفرق الفرنسية من لاعبين من أبناء المهاجرين، لاستعمالهم لاحقا في عملية التنافس الدولي تحت راية الفرق الوطنية في الجزائر، قاموا عمليا بسد العجز الذي تعاني منه الفرق الرياضة الوطنية، التي لم تنجح في التحول إلى مشتل فعلي في إنتاج نخبة رياضية، لم تعد الممارسة الرياضية داخل البلد، قادرة على إنتاجها، فلجأت إلى هذه الاستراتيجيات المعتمدة على التعويل على ما تنتجه الفرق الفرنسية في الغالب – يحدث الشيء نفسه في تجارب مغاربية مشابهة. بعد البحث عن أبناء وبنات الجزائريات من الجيل الرابع! أو اللجوء إلى حيلة تنظيم ألعاب فاقدة للتنافسية، لم تعد تقبل أي دولة عربية تنظيمها، كما يحصل هذه الأيام مع الألعاب العربية التي فازت فيها الجزائر على نفسها! تبقى ميزتها الوحيدة إمكانية التعود على استعمال الهياكل الرياضية الجديدة، وكسب تجربة في تنظيم مثل هذه اللقاءات الرياضية، وربما حتى المساعدة على التعريف بالجزائر من خلال تلك اللقاءات التي تسمح بها هذه الألعاب بين الشباب في الدول العربية، تكون فرصة للتعرف على الجزائر، التي لا يعرفها الكثير من مواطني الدول العربية، الذين تعودوا على زيارة تونس والمغرب دون الجزائر، التي استمرت في غلق حدودها، تماما كما جاء في كلمات أغنية «بساط الريح» للمطرب فريد الأطرش، الذي قفز من تونس الخضراء إلى مراكش الحمراء، دون التفوه بكلمة واحدة عن الجزائر البيضاء! الوضع بالطبع لا يقتصر للأسف على المجال الرياضي، بل يتعداه إلى ما هو أكثر جدية على غرار التنافس السياسي والاقتصادي داخل وخارج القارة، بعد عودة نوع من التعافي للجزائر، وهي تهدف إلى العودة لاحتلال موقعها، بعد مرحلة الغياب التي ورطها فيها الرئيس بوتفليقة، الذي تقول الأسطورة أن اسمه الحربي اثناء ثورة التحرير كان «عبد القادر المالي» بعد ما قيل عن تجربته في دولة مالي، في الشهور الأخيرة لحرب التحرير، التي يكون الرجل قد قضاها في شمال هذا البلد الافريقي الجار للجزائر، وهو يقوم بحراسة مجموعة من المجاهدين المحكوم عليهم بنوع من النفي من قبل مؤسسات الثورة، بعد اتهامهم في ما سمي بقضية العقيد العموري المعروفة، كان من بينهم محمد الشريف مساعدية وأحمد دراية وعبد الله بلهوشات، قبل أن يتم العفو عنهم والعودة إلى احتلال مواقعهم داخل مؤسسات الجزائر المستقلة المتصالحة مع أبنائها. الجزائر التي تبقى في حاجة إلى مصالحة مغاربية – زيادة على الوطنية المفروغ منها ـ للتصدي للتحديات التي يفرضه عليها موقعها في وسط شبه القارة المغاربية، بين أغنى دول العالم على حدودها الشمالية وأفقرها في دول الساحل، إذا أرادت فعلا أن تعود إلى مجالها الافريقي الطبيعي من مركز قوة، وليس كدركي للاشتغال من الباطن، لصالح الدول الأوروبية، كما اوحت بذلك أزمة المهاجرين الافارقة مع تونس، التي أرادت الدول الأوروبية الاستفراد بها وتطويعها وهي في حالة ضعف لإنجاز سياسة لن تكون قطعا في صالح الشعوب المغاربية، التي انتكست لدى نخبها الحاكمة الفكرة المغاربية بعد استقلالها، ما زالت الشعوب في أشد الحاجة إليها بعد الاستقلال. * كاتب جزائري