بلال التليدي ثار نوع من اللايقين حول علاقة الرباط بالجزائر عقب قرار مجلس الأمن 2797 الذي دعا الأطراف إلى مفاوضات لحل نزاع الصحراء على أساس مبادرة المغرب للحكم الذاتي، وتباينت لغتهما تماما، فالمغرب سواء عبر ملك البلاد في خطابه الرسمي الذي جاء مباشرة بعد جلسة مجلس الأمن، أعاد التأكيد على سياسة مد اليد للجزائر، ولوحظ تغير كبير في خطاب وزير الخارجية المغربي في الحوار المباشر الذي أجرته القناة الثانية معه لجهة تجنب أي مفردة في الخطاب يمكن أن تظهر علامات النصر على الجزائر أو النكاية بمواقفها، في حين خرج وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بخطاب مغاير تماما للغة الممثل الدائم للجزائر بالأمم المتحدة عمار بن جامع في جلسة التصويت على قرار مجلس الأمن، وبدا وكأن خرجة أحمد عطاف توجه خطابا للداخل أكثر من محاولة تفسير موقفها المعبر عنه بالأمم المتحدة بكل حسرة، فالرأي العام الجزائري لم يستوعب هذه الكبوة الدبلوماسية الجزائرية بعد خمسين سنة من الاستثمار في ملف نزاع الصحراء. لكن، بعيدا عن هذه الأجواء التي التبست مباشرة بصدور القرار، وما يتطلبه الموقف من تواصل وتبرير أمام الرأي العام الداخلي، او منع أي ردود فعل شعبية ضده، فالمسافة الزمنية التي فصلت عن القرار، سمحت بملاحظة مؤشرات مبشرة على إمكان حصول انفراجة مهمة في العلاقة بين المغرب والجزائر. أول هذه المؤشرات، هو تصريح ستيفان دي مستورا المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي، المكلف بملف الصحراء، الذي كشف بأن القرار 2797 جاء ثمرة لجهود حثيثة من الدولة صاحبة القلم، وأعضاء آخرين، ذكر منهم «من لم يشاركوا في التصويت» في إشارة واضحة إلى أن قبول الجزائر وعملها لإنجاحه، مؤكدا بأن المفاوضات ستكون على أساس من المقترح المغربي للحكم الذاتي المغربي الذي تباشر الرباط عملية تحيينه وتفصيله. والثاني، هو تصريح مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الإفريقية لفرانس 24، والذي ذكر فيه بأن الجزائر، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على وجه الخصوص، منفتح على الحوار مع المغرب، وأنه أبدى رغبته في إنجاح هذا الحوار التاريخي بين البلدين. المؤشر الثالث، هو الخرجة الإعلامية للمبعوث الأسبق للأمين العام الأممي لقضية الصحراء، كريستوفر روس، التي كشف فيها بأن دعم الجزائر لتقرير المصير يخفي دافعا جيوسياسيا أعمق من ذلك، وأن لها أسبابها الخاصة في دعم البوليساريو، تتصل برغبتها في تلافي مطالبة المغرب بالصحراء الشرقية التي تعود إلى التراب المغربي، وقام الاستعمار باقتطاعها من المغرب وتسليمها للجزائر، وأن دعمها لتقرير المصير، يأتي لشغل المغرب بالجنوب للحيلولة دون بروز قوته الإقليمية القارية. ورابع هذه المؤشرات أن الرئيس الجزائري، بدأ خلال استقباله للوفود الأجنبية، يذكر التباحث حول قضايا الشرق الأوسط، والنزاع في ليبيا، والساحل جنوب الصحراء، لكنه وعلى غير المعتاد لا يشير لا من قريب ولا من بعيد لملف النزاع حول الصحراء، فقد لاحظ المراقبون أنه لم يشر لهذا الملف لدى استقباله رئيس الصومال الفيدرالية حسن شيخ محمود. المؤشر الخامس، وهو إقدام الرئيس الجزائري على العفو على الكاتب الجزائري بوعلام صنصال بعد طلب من الرئيس الألماني، بعد أن قال فيه كلاما جارحا في مجلس الشعب الجزائري على خلفية تصريح بوعلام بأن الجزائر لم تكن شيئا مذكورا قبل الاستعمار، وأن الاستعمار الفرنسي اقتطع أراضي من شرق المغرب، وسلمها للجزائر. المؤشر السادس، وهو الحوار الذي أجراه الممثل الدائم للمغرب بالأمم المتحدة مع إحدى القنوات الأمريكية، والذي تحدث فيه بلغة معتدلة عن الجزائر، وأكد فيها التزام بالانفتاح المغرب على الحوار مع الجزائر، وفق مقتضيات الشرعية الدولية، التي قررت بأن حل نزاع الصحراء سيتم تحت سقف السيادة المغربية، وعلى أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي. التركيب بين هذه المؤشرات الستة يفيد بأن المنتظم الدولي، ماض في رعاية مفاوضات لحل نزاع الصحراء على أساس من خطة الحكم الذاتي، وأن الجزائر، ملتزمة بقرار مجلس الأمن، ولا يمكنها مناكفته، وأن الولايات المتحدة الأمريكية، ماضية في تسريع وساطتها بين الرباط والجزائر، وأن الرئيس الجزائري أبدى ترحابا بهذه الخطوة، وأنه لذلك، وباستثناء اللقاء التلفزيوني لوزير خارجيته الجزائري أحمد عطاف، والذي كان محكوما بتأطير الرأي العام واحتواء ردود فعل معارضة، لوحظ وجود قطيعة نسبية مع المواقف الجزائري التقليدية، والتي كانت دائما تقحم قضية الصحراء في أنشطتها الدبلوماسية، وأن المغرب، سواء من خلال الملك، أو وزير الخارجية، أو الممثل الدائم للرباط بالأمم المتحدة، التزموا بخطاب واحد يدعم الدعوة الملكية بمد اليد للحوار مع الجزائر. تصريح كريستوفر روس، قد يبدو نشازا في هذه المؤشرات، لأنه قال الشيء وضده، فانتقد الجزائر، كما انتقد الغموض في لغة قرار مجلس الأمن، لكنه في نهاية المطاف، لمح لسيناريو أمريكي، للضغط على الجزائر في حالة عدم الدخول الجدي في مفاوضات مع المغرب لحل نزاع الصحراء، فحديثه عن الصحراء الشرقية، وكونها أرضا مغربية، وأن الجزائر تستثمر في دعم «تقرير المصير» فقط لشغل المغرب عن المطالبة بحقه في صحرائه الشرقية، هو أسلوب أمريكي تحذيري، يبعث برسائل إلى الجزائر، حتى لا تجرب خيار المعاندة، وهو -على ما يبدو- ما استوعبته الجزائر، وبدأت تتدرب على إنتاج مواقف مرنة تخالف تماما ما كانت تلوح به من مواقف شعبوية، إذ لم يكن أحد من الداخل الجزائري يتصور أن يكون موقفها في مجلس الأمن بتلك الطريقة، ولم يكن أحد يتصور أن تضطر إلى العفو على الكاتب بوعلام صنصال، بعد أن قال فيه الرئيس كلاما قاسيا في مجلس الشعب الجزائري. الأجواء الأولية لحد الآن إيجابية، فالمغرب قطع شوطا مهما في تبرير سياسة مد اليد، على الأقل من جهة خفض التوتر الإعلامي، وتغيير لغة الخطاب الدبلوماسي، في حين، لم تبد الجزائر إلا مواقف أولية، تحتاج لمزيد من الجرأة. التقدير، أن الطرفين ليسوا على درجة واحدة من الموقف، فالمغرب الذي صب قرار مجلس الأمن في صالحه، ليس مثل الجزائر التي خسرت جزءا كبيرا من رصيدها السياسي والدبلوماسي من جراء هذا القرار، والرباط التي كانت دائما تطالب بالحوار مع الجزائر وفتح الحدود، لا تجد الولايات المتحدة في وساطتها أي تحد للإقناع بالمضي في خط إنهاء القطيعة الدبلوماسية مع الجزائر، والرباط في ذلك تختلف عن الجزائر التي قررت قطع العلاقات الدبلوماسية، واتبعتها بتصريحات تضمنت شروطا مختلفة لعودة هذه العلاقات. فالجزائر بهذا الاعتبار، تواجه في سبيل إصلاح علاقتها بالمغرب، والانخراط الجدي في حل نزاع الصحراء مشكلة «شرعية سياسية»، فالشعب والنخب السياسية المعارضة في أي لحظة، يمكن أن تجعل من نكسة الجزائر السياسية والدبلوماسية، سلاحا لتقويض شرعية النظام، ولذلك، تسعى الجزائر للتكيف بخطى بطيئة، لا ندري هل تسير في اتجاه الاستثمار في الصلح مع المغرب، وجعله مركز شرعية سياسية جديدة، أم في اتجاه المناورة، وجعل الحوار مع المغرب أو جعل الاتفاق حول مضمون الحكم الذاتي هو الآخر مستحيلا. * كاتب وباحث مغربي