المساء اليوم - هيأة التحرير: منذ أن تم اعتقال الكاتب الجزائري المقيم في فرنسا، بوعلام صنصال، لدى وصوله قبل أسابيع إلى مطار هواري بومدين قادما من باريس، لم تتوقف الآلة الدعائية للحكومة الجزائرية عن ترويج اتهامات غامضة لهذا الكاتب الذي لم يخف يوما قناعاته الفكرية والسياسية. وفي اللحظات الأولى لاعتقاله، أعلنت السلطات الجزائرية أن ذلك تم بسبب تهم متعلقة بالاعتداء على أمن الدولة، ويمكننا أن نفهم كيف يعتدي رجل في الثمانين على أمن الدولة، وبعدها تم ترويج تهم أخرى من بينها أن صنصال يهاجم الدين، في محاولة تحريضية للرأي العام، وبعدها طبخت له تهمة المساس بالوحدة الوطنية، ولا أحد يدري التهم المخبأة في صندوق السلطات الجزائرية، والتي قد تكشف عنها في مقبل الأيام. لو كانت سلطات الجزائر تعتقل كل من يهاجم الدين لوجب عليها أن تبني مئات السجون الإضافية، بما فيها سجن خاص بالطبقة الحاكمة، لكن يبدو أن تهمة الكاتب بوعلام صنصال تثير حنق السلطات إلى درجة عدم الكشف عنها صراحة. لم يخف الكاتب صنصال يوما موقفه من استغلال الدين في السياسة، وهذا شيء يشاركه فيه عدد كبير من الناس، لذلك فإن ذلك لم يكن ليشكل تهمة حقيقية، لذلك إذا أردت أن تعرف لماذا تتحامل الجزائر على شخص ما، حتى لو كان مواطنا جزائريا شهيرا، فابحث عن المغرب. الكاتب صنصال عرف بالجرأة والشجاعة في التعبير عن مواقفه، بما فيها مواقفه المتعلقة ببلده الأصلي، لذلك تم وضعه على اللائحة السوداء من طرف سلطات الجزائر منذ أن كشف الكاتب عن معطيات تاريخية تهم استيلاء الجزائر على مساحات واسعة من المغرب أيام الحماية الفرنسية، واستمر ذلك إلى ما بعد الاستقلال وإنشاء الدولة الجزائرية سنة 1960. الكاتب قال في أكثر من مناسبة ما يعرفه الجميع، وهي أن فرنسا استغلت هيمنتها الاستعمارية على المغرب واقتطعت منه أجزاء واسعة، وهي ما يعرف اليوم بالصحراء الشرقية، وألحقتها بالجزائر، بما أن باريس كانت تنوي البقاء في "الجزائر الفرنسية" إلى الأبد. ما يقوله بوعلام صنصال لا يأتي من فراغ، فحتى البلدان الأخرى المجاورة عانت من الحيف نفسه، واقتطعت منها فرنسا أراضي شاسعة لإلحاقها بالجزائر "الفرنسية"، لكن المغرب كان الضحية الأكبر. بعد الاستقلال نكث المسؤولون الجزائريون كل الوعود التي قدموها للمغرب بإعادة أراضيه المنهوبة، وتناسوا كل التضحيات المغربية من أجل استقلال الجزائر، بل سلكوا طرقا إبليسية في محاولة استئصال مناطق جديدة، حتى لو تم ذلك باسم أطراف أخرى، مثلما حدث مع مليشيات البوليساريو، والتي لم يتم خلقها إلا من أجل تغطية حكام الجزائر على موضوع الصحراء الشرقية. اليوم يحس حكام الجزائر بلسعات تاريخية كلما تحدث أحد عن هذا الموضوع، وآخر الضحايا الكاتب بوعلام صنصال، الذي يعرف الكثير، لذلك قررت السلطات الجزائرية وضعه في زنزانة منفردة من دون تهمة واضحة. خوف الجزائر من تصريحات صنصال بلغت مستوى مرضيا، فقد تم منع فرنسوا زيمراي، محامي الكاتب من زيارة موكله، بل لم يسمح له بالذهاب إلى الجزائر للاستعداد للدفاع عن موكّله إلى جانب زوجته الجزائرية، ولم يتم منحهما التأشيرة. إنه رعب "البلد القارة" من قوة الكلمة.. الكلمة التي تكشف كيف صارت الجزائر "قارة"..!