بين المغرب وإسبانيا: المال مقدس.. والصراع حر

المساء اليوم – هيأة التحرير:

طوال الأسابيع التي دامتها الأزمة المستفحلة بين المغرب وإسبانيا، كان يمكن توقع كل شيء، بما فيها قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لكن لا أحد توقع أن تصل القطيعة إلى الاقتصاد، حيث يجني البلدان مكاسب هامة من خلال شراكتهما التجارية المميزة.

وفي أحلك ساعات الأزمة التي تلت استضافة مدريد لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي باسم مستعار، لم يدر في خلد أحد أن البلدين قد يضحيان بأعز ما يملكان، علاقتهما التجارية والاقتصادية المتميزة، والمرشحة للارتقاء سنة بعد أخرى. لقد ظل المقاولون ورجال الأعمال من البلدين ينظرون إلى الأزمة كمتفرجين فقط، من دون أن تتأثر علاقاتهم التجارية قيد أنملة.

فالأزمات السياسية تأتي وتذهب، بينما المصالح الاقتصادية ثابتة. إسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب منذ عام 2014 بحصة تبلغ 23.7 في المائة من صادراتها، والمُورد الأول بحصة تبلغ 16.8 في المائة من وارداتها، كما أن المغرب هو أول شريك تجاري لإسبانيا من خارج الاتحاد الأوربي، والمعاملات التجارية بينهما تتصاعد من عام لآخر.

ولم تكن هذه الأزمة الوحيدة التي ظلت فيها العلاقات التجارية في منأى عن الصراع السياسي، فقبل 20 عاما كانت إسبانيا والمغرب على شفا مواجهة مسلحة غير مسبوقة، بسبب قضية جزيرة “تورة” (ليلى)، بينما ظلت العلاقات الاقتصادية مستمرة بين البلدين وكأن شيئا لم يكن.

وخلال الأزمة الأخيرة، لم تنجح بعض دعوات المقاطعة في التأثير على المبادلات بين البلدين، حيث ارتفعت في المغرب دعوات لمقاطعة البضائع الإسبانية، والشيء نفسه حدث في إسبانيا مع ارتفاع دعوات لمقاطعة البضائع المغربية، وكل هذه الدعوات لم تنجح في التأثير على الميزان التجاري بين البلدين.

وعلى الرغم من تخوف الإسبان من إمكانية إقدام المغرب على تجميد اتفاقية الصيد البحري خلال الأزمة، فإن الصيادين الإسبان، الذين يعتبرون المياه البحرية المغربية عمقهم الاستراتيجي، ظلوا في منأى عن الأزمة السياسية بين الرباط ومدريد.

من الممكن أن يصبح التوتر الإسباني المغربي نموذجا لحسن الجوار، حيث تظل مصالح الشعبين أسمى من أية حسابات سياسية، وهذا عكس ما يحدث مع جارتنا الشرقية، حيث يعتبر المسؤولون الجزائريون أن لقمة عيش الشعبين هي أول ما يجب أن يُقطع عند أي توتر بين البلدين، ولسنا في حاجة إلى التذكير بما جرى.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )