المساء اليوم - ع. الدامون: الموت حق على الجميع، لكن تختلف الأسباب والأزمنة، وتختلف الجنازات أيضا، حتى لو كان الموتى من بطن واحدة.. أو حتى من حزب واحد. جنازة القيادي "الاشتراكي" عبد الواحد الراضي أثارت الكثير من الجدل، ليس بسبب سيرة الرجل وشخصيته، بل أساسا بسبب طقوس الجنازة والثراء الواضح في حياة وممات قيادي في حزب ظل مرتبطا لعقود بقضايا الجماهير ونضالات القوات الشعبية، وقدم قياديوه ومناضلوه الكثير من التضحيات في سبيل ذلك، قبل أن يدور الزمن دورته. وربما لم يكن الثراء هو موضوع الجدل الوحيد، بل أيضا الكثير من الطقوس الأرستقراطية التي صدمت الكثيرين، لكن في النهاية يبقى الموت أكثر الأشياء عدلا.. إنه "القاضي" النزيه الوحيد في هذا العالم. البعض قارنوا بين عزاء وجنازة عبد الواحد الراضي وبين عزاء وجنازة عبد الرحمان اليوسفي، وكلاهما من حزب واحد، بل ربما ماتا في نفس السن، ومن الأكيد أن النهر الذي كان يجري من أمام الراضي هو نفسه الذي جرى أمام اليوسفي، لكن ظل الفارق كبيرا بين الرجلين في الحياة والممات. مات اليوسفي شبه وحيد مع زوجته الأجنبية البسيطة، مات في مستشفى مغربي ولم يترك ضياعا ولا أملاكا، ولا حتى أبناء يتصارعون على التركة، وفي النهاية تبرع ببيته الوحيد لجمعية خيرية، وانتهى كل شيء في سيرة هذا الرجل المحكوم بالإعدام عدة مرات في سنوات الجمر، وفي النهاية أطلقوا اسمه على شارع في مسقط رأسه طنجة، وحرمته ظروف كورونا (ربما) من تنفيذ وصيته بدفنه في مقبرة بمسقط رأسه. بدوره، لم يكن اسم الراضي هينا في حزب الاتحاد الاشتراكي ولا حتى في دواليب الدولة، لقد عاش ممسكا بالعصا من الوسط، قبل أن يتخلص منها تماما، وحقق رقما قياسيا عالميا في مكوثه ببرلمان لا يقدم ولا يؤخر، وسماه البعض عبد الواحد الأراضي، وعكس زميله ورفيق دربه اليوسفي، الذي لم يتدثر بغير كفنه وتبرعت زوجته هيلين بكل شيء، فإن الراضي ترك وراءه الآلاف المؤلفة من الهكتارات والضيعات والممتلكات، وبنون وبنات وأحفاد وحفيدات، سيقتسمون كلهم تركة مناضل القوات الشعبية.. الذي أسلم الروح في مصحة في العاصمة الفرنسية بداية رمضان. هي إذن سيرة حياة وممات بين رجلين رفيقين في درب طويل، قد لا يجمع بينهما أي شيء.