المساء اليوم - هيئة التحرير: قبل بضعة أسابيع سقطت أجزاء واسعة من إسبانيا في ظلام دامس بفعل خلل غير مسبوق قي أنظمتها الكهربائية، وفي مساء اليوم نفسه أطلق المغرب أزيد من 30 في المائة من طاقته الكهربائية نحو إسبانيا، وتمت إضاءة أجزاء واسعة من البلاد بفعل التضامن المغربي. وقتها قدم رئيس الحكومة الإسباني، بيدرو سانشيز، شكرا علنيا للمغرب، وعبر عن امتنانه لهذه الالتفاتة التاريخية. وقبل ذلك، في فصل الشتاء الماضي، أرسل المغرب تجهيزات لوجستيكية متطورة للمساعدة في انتشال منطقة بلنسية من فيضانات مدمرة خلفت مئات الضحايا. وفي أحيان كثيرة كانت المعلومات الأمنية المغربية حاسمة في تجنيب إسبانيا الكثير من المشاكل، وفي أكثر من مرة قدم الأمنيون الإسبان شكرهم للمغرب على تعاونه الوثيق في هذا المجال. لكن قبل بضعة أيام، تم إجراء استطلاع رأي في إسبانيا حول الأعداء الخارجيين المفترضين، وجاء المغرب في المرتبة الأولى بنسبة تقارب 60 في المائة، متبوعا بروسيا. ليس هذا فحسب، فقد اعتبر 43 في المائة من المشاركين في الاستطلاع المغرب بلدا عنيفا وذا إيديولوجية إسلامية، في حين أن ثلث المستجوبين يرون أن الجالية المغربية المقيمة فوق التراب الإسباني تشكل خطرا على المجتمع الإسباني. هذه الأرقام لا تبدو غير منطقية فقط، بل ترتفع كل سنة بشكل ملحوظ، وتمثل زيادة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة، حيث ارتفعت النسبة بنسبة 6% عن العام الماضي التي كانت 49% من يعتبرون المغرب عدوهم الأكبر،، وبارتفاع ملحوظ عن عام 2021 حين اعتبر 35% فقط من الإسبان المغرب تهديدًا. والمثير أن كل استطلاعات الرأي التي تجرى في إسبانيا حول المغرب المغاربة تعطي نتائج سلبية جدا، في الوقت الذي يحدث العكس تماما مع استطلاعات الرأي التي تجرى في المغرب حول إسبانيا، والتي تعكس رأيا عاما إيجابيا جدا من المغاربة بخصوص جارهم الشمالي. وفي الوقت الذي لا ينبغي فيه التعميم، إلا أن الوضع سيء فعلا، والدليل هو أننا يجب أن ننتظر استطلاع العام المقبل لكي نكتشف أن أعداد الإسبان الذين يعتبرون المغرب عدوهم الأول في ارتفاع..! نظرة الإسبان نحو المغرب ليست محكومة فقط بأحداث سياسية راهنية أو التي جرت قبل بضع سنوات، أو حتى التي جرت قبل عقود، بل هي نظرة مترسخة في الأذهان وعميقة في القدم، ويغذيها اليمين المتطرف الذي لا يترك فرصة تمر إلا ويؤكد أن المغرب سيظل مثل البعبع في أذهان الإسبان. اليمين الإسباني، على الخصوص، يبدو سعيدا جدا بهذه الأرقام، لكننا لا يجب أن نغفل أن "الخائفين" من المغرب ينتمون لمختلف التيارات السياسية والطبقات الاجتماعية، ولا تزال الصورة النمطية للمغرب والمغاربة تحكم سلوكياتهم وتوجه آراءهم. هذا اليمين الإسباني، يتناسى بغرابة كيف أنه وصل إلى سدة الحكم في إسبانيا بعد حرب أهلية طاحنة كان وقودها قرابة 200 ألف مقاتل مغربي، الكثير منهم أطفال، أريقت دمائهم من أجل اعتلاء الجنرال فرانسيسكو فرانكو "عرش" إسبانيا لأربعين عاما، وبفضل ذلك لا يزال يمين اليوم "يأكل القوت ويمشي في الأسواق" ويضرب على صظره مثل الغوريلا. في كل هذا يجب أن نكون مقتنعين بأن الانتخابات التشريعية المقبلة في إسبانيا ستحمل إلى سدة الحكم اليمينيين، ومعهم اليمينيون المتطرفون، وقد يشكلون ائتلافا حكوميا واحدا، وهؤلاء يوحدهم عداء غريب للمغرب. من هنا يجب على المغرب أن يكون مستعدا لعودة العلاقات المغربية الإسبانية إلى نقطة الصفر، بعد تحسنها الملحوظ مع الاشتراكيين، ولعل ما يلزم المغرب أكثر هو أن يكون حازما فعلا مع الحكام المقبلين لإسبانيا، لأن التجربة علمتنا أنه كلما كان المغرب حكيما ومتزنا، إلا وتصرفوا وفق منطق دون كيشوت، تماما مثلما حدث إبان أزمة جزيرة تورة، أو جزيرة ليلى. لكل هذا، فإن تغيير وسيلة التعامل مع يميني إسبانيا سيكون ضرورة ملحة.