تهجير ونهْب مغاربة الجزائر: نصف قرن على مأساة إنسانية محزنة

المساء اليوم – هيئة التحرير:

في هذه الأيام، أيام عيد الأضحى، يكتمل نصف قرن على مأساة إنسانية محزنة، مأساة نسيها كثيرون، لكنها ستظل عالقة في الضمائر الحية، كما ستظل التساؤلات حولها كثيرة ومحيرة، وأهمها: هل كان لا بد أن تحدث تلك المأساة..!؟

في أيام عيد الأضحى لسنة 1975، نفذت السلطات الجزائرية أكبر عملية طرد وتهجير في حق عشرات الآلاف من الأشخاص من أصول مغربية، وهناك من يقول إنهم حوالي 50 ألف أسرة، أما السبب فهو سياسي صرْف، حيث عمد نظام الرئيس الراحل هواري بومدين على الانتقام من المغرب عبر طرد مغاربة الجزائر، واختارت الجزائر توقيتا يحمل الكثير من الرمزية، والمرارة أيضا، وهي أيام عيد الأضحى.

عملية التهجير القسري تلك استمرت لعدة أسابيع، لكنها بلغت أوجها في يوم عيد الأضحى، وكأن هناك رغبة مجنونة لدى المشرفين عليها بالإيذاء العميق للضحايا والتسبب لهم في آلام وندوب نفسية تستمر العمر كله، وقد تتوارثها الأجيال أبا عن جد.

يحكي الذين عانوا من حملة الطرد المتوحشة حكايات مؤلمة، عن أسر تم حشرها في الشاحنات والقطارات المهترئة صباح عيد الأضحى، وأسر تركت كبش العيد ودُفعت دفعا نحو الحدود الجزائرية المغربية، وأطفال ظلوا يتأملون كبش العيد معلقا أمامهم بينما تم تهجير آبائهم، وأسر تم تشتيتها في كل الاتجاهات، تهجير الأب نحو المغرب، أو تهجير الأم، وفصل الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم، وفي حالات كثيرة تم تهجير أمهات حوامل، أو أسر بكاملها إذا كان الأب والأم معا من أصول مغربية، وكل هؤلاء كانوا يقيمون على التراب الجزائري بصفة قانونية وشرعية.

حكايات هذه المأساة طويلة جدا، وهي حكايات  تؤرخ لحقد غريب، نتج عن قرار المغرب استكمال وحدته الترابية وتنظيم المسيرة الخضراء، فجاء قرار المسؤولين الجزائريين بتنظيم مسيرة لا إنسانية، اصطلح الناس على تسميتها بالمسيرة الكْحلة.

لم يكن ما جرى بعيدا عن مفهوم الجرائم ضد الإنسانية، حيث تم تهجير الأسر ونهب أراضيها وممتلكاتها، لأن الأسر هُجّرت من الجزائر من دون القدرة على حمل حتى أمتعتها البسيطة، وبعدها تمت عملية النهب المنظمة والعشوائية لمنازلها وممتلكاتها وعقاراتها.

نصف قرن مر على هذه الجريمة الكبيرة، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم، لأن أحداثها وتفاصيلها كانت رهيبة، وكل ذلك كان يعكس، بشكل مبكر جدا، الاتجاه الذي اختار المسؤولون الجزائريون السير فيه، وهو الحقد الأعمى ضد كل ما هو مغربي، حقد لا يزال مستمرا حتى اليوم.

نصف قرن على المأساة، ولا يزال الضحايا، وأبناؤهم وأحفادهم، يطالبون بالعدالة والإنصاف، لأن ما جرى لا يقل خطورة عما جرى في كل حملات التهجير والقمع على مر التاريخ، كما حدث في الأندلس وفلسطين والبوسنة وغيرها من الأماكن التي لا تزال فيها الندوب والجراح النفسية والتاريخية مفتوحة، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )