المساء اليوم - هيئة التحرير الاحتجاج واحد من أرقى السلوكات البشرية. ليس لدى البشر فقط، بل لدى الحيوان أيضا. ويقول علماء البيولوجيا إن النباتات أيضا طورت أشكالا فريدة من الاحتجاج على طريقتها من أجل مقاومة الفناء. بدون احتجاج كان يمكن للبشرية أم تفنى من زمان. إنه يتفوق في أهميته على اكتشاف النار واختراع العجلة. الاحتجاج له خاصية فريدة جدا، إنه يواجه الأخطاء القاتلة التي تؤدي إلى كوارث مخيفة. لذلك، عندما ظهر مؤخرا "جيلZ" وخرج أفراده للاحتجاج في الشوارع، نسيننا كل الاحتجاحات والتضحيات السابقة وسعدنا بهم كثيرا في بلد تغوّل فيه الفساد وصار يقول للمغاربة "أنا ربكم الأعلى". صار الفساد رهيبا في ميدان الصحة إلى درجة أننا صرنا نتوقع قريبا تعيين "سيكيريتي" وزيرا لهذا القطاع، ومعه ميدان التعليم، الذي تلعب فيها شبكات من كل الأنواع، ولا ننسى طبعا قطاع القضاء، الذي يسميه البعض "قطاع العدالة".. وقطاعات أخرى كثيرة.. كثيرة جدا. عندما ظهر شباب "جيل z" فرحنا بهم رغم أننا لا نكاد نعرف منهم أحدا. لقد ظهروا فجأة مثل كائنات خرافية سقطت مع المطر أو جاءت من كواكب بعيدة. أغلبهم شباب أنيقون لا يخافون المخزن ويلتقطون صور "السيلفي" داخل السطافيط وهم يبتسمون بسعادة بالغة. إنهم أول جيل في تاريخ النضال بالمملكة يهينون السطافيط أمام الملأ. لكل هذه الأسباب قلنا ربما تم صنع هذا الجيل في مختبر ما وإطلاقه إلى الشارع بجينات غير طبيعية. شاهدنا أيضا شباب "جيل z" يركبون سيارات الأمن بهدوء وثبات ويتصرفون وكأن الشرطي سينقلهم رأسا إلى حفل زفاف. إنهم خرافيون بهدوئهم وببشجاعة لا تقاوم، جاؤوا من قلب الأنترنيت وبكامل هيبتهم الافتراضية، وحلوا بيننا نحن الذين نعيش في تفاصيل الواقع أكثر من اللازم حتى تعودنا على كل الكوارث وصارت تبدو لنا طبيعية جدا. لم نر بين شباب z تلك الوجوه المعروفة التي تحنطت من فرط النضال والاحتجاج، فقد حول هؤلاء "الزيديون" كل من سبقهم إلى خرافة. لا وجود للأحزاب ولا للجمعيات ولا للمناضلين الذين أفنوا عمرهم في السجون ولا الذين اكتوت أظهرهم بالسياط في زمن الرصاص.. جيل z وحده مضوي البلاد..! شباب جيل z لا يشبهوننا أبدا نحن جيل القايدة طامو، الذين كنا نطلق سيقاننا للريح لمجرد سماع محرك تلك الآلة المهترئة التي تطوف الأحياء والشوارع تحت شعار "عندك لاكارط اطلع.. معندكش لاكارط اطلع". شباب "جيل z" خرجوا للتو من فيلم "القلب الشجاع".. إنهم أقوى من العدالة والتنمية والنهج الديمقراطي والعدل والإحسان واليسار الموحد وحركة 20 فبراير وباقي التشكيلات التي يمقتها المخزن. شباب z جاؤوا من هناك.. من مكان لا نعرفه.. ربما من كواكب بعيدة، وربما من مختبر داخلي.. أو حتى خارجي، لذلك احترمناهم جدا جدا وتوقعنا أنهم سيعيدون البلاد إلى رشدها في خمسة أيام.. بدون معلم. لكن مرت بضعة أيام حتى صار الوضع صادما.. فقد اختلطت الدماء النقية لجيل z بدماء "جيل طوطو".. وفجأة اشتعلت النيران هنا وهناك وخرج بيان لوزارة الداخلية يكشف أرقاما صادمة. إذن، أين ذهب جيل z..؟ هل كانوا يكذبون علينا بأدبهم الجم وشجاعتهم الفائقة وسيلفياتهم داخل السطافيطات وتصريحاتهم التي تشبه تصريحات شخصيات "أفاتار"، أم أن جيل طوطو استبدت به الغيرة وقرر أن يختطف منهم النجومية..!؟ من حق جيل طوطو أن يغار من جيل z، لأن جيل طوطو له زعيم معروف عادة ما يصعد فوق الخشبة في المهرجانات ويشرب الخمر ويدخن الحشيش أمام ملايين الأتباع ويدعمه الوزير المهدي بن سعيد سنويا بمئات الملايين، بينما "جيل z" يتيم بكل ما في الكلمة من معنى، وحتى الذين خلقوه ظلوا بعيدين ويراقبون اللعبة بحذر حتى لا يثيروا الشبهات. هكذا انقلب الحلم الجميل والاحتجاج السلمي إلى كابوس، وأثبت جيل طوطو أنه الأقوى في المغرب حتى الآن..!