عبد الله الدامون damounus@yahoo.com أسوأ ما في الأمر هو أنه عندما تبحث عن السيرة الذاتية للسفيرة المغربية في العاصمة الكولومبية، بوغوتا، فإنك لا تجد شيئا. قد تجد معلومات عن قصبة لوداية ومقهى لوداية، لكن لا شيء تقريبا عن فريدة لوداية، سوى فقرات من أنشطة وتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع، وصور وفيديوهات كثيرة بالقفطان.. وابتسامات ذات اليمين وذات الشمال.. في تعبير فاقع عن دبلوماسية الريع! ربما كان الكثيرون يجهلون وجود سفيرة مغربية في أمريكا اللاتينية، وبالضبط في كولومبيا، بلد الغرائب التي كتب عنها الروائي الكولومبي الفذ، غابريال غارسيا ماركيث، صاحب نوبل للآداب، الذي لا يتم ذكر كولومبيا إلا واسمه مقرونا معها. لكن هذه الأيام قفز اسم السفيرة المغربية لوداية إلى الواجهة، ليس لأنها قامت بإنجاز خارق، بل فقط لأن وسائل الإعلام العالمية تحدثت عن موظفيْن في السفارة المغربية بالعاصمة الكولومبية، سقطا في براثن مومستين كولومبيتين، وتم تخديرهما وسرقة ما في جيوبهما، وأيضا ما في هواتفهما وأجهزتهما الإلكترونية، التي لا ندري، إلى حد الآن، ماذا يوجد بها. ربما لم يقم سادة الخارجية المغربية بأية حصة توعية لموظفي السفارة المغربية في كولومبيا، فاعتقد الموظفون أنهم ذاهبون إلى أيسلندا وليس إلى كولومبيا، حتى حدث ما حدث، فلا تزال عقلية "دبلوماسية الريع" سائدة.. عقلية مقرفة! الاستياء الكبير الذي خلفته هذه الحادثة دفع وزارة الخارجية المغربية إلى الخروج ببيان ناري حول الموظفيْن المستهتريْن، إلى درجة التلويح بمتابعتهما قضائيا، وهذا ما يعني بأن قرار العزل قد صدر في حقهما مسبقا. لكن سفيرة المغرب في بوغوتا، التي تجيد ارتداء القفطان أكثر من أي عمل آخر، دخلت فورا على الخط، وبدأت تلتمس الأعذار للموظفيْن، ووصفتهما بالشابين اللذان يفتقران إلى اليقظة، ونفت أن يكونا قد تعرفا على عاهرتين، بل فقط على "بنات دارْهم"، تم التعرف عليهما من طرف الدبلوماسييْن المغربييْن بطريقة محترمة، عن طريق موقع للتعارف. من الصعب أن يستوعب المغاربة ما فعله "الموظفان الشابان"، لكن من الصعب أكثر استيعاب دفاع السفيرة عن دبلوماسييْن يصطادان "الفتيات" عبر الإنترنيت بعد أيام فقط من اعتراف الحكومة الكولومبية بجبهة البوليساريو، بعد أزيد من 20 عاما من تجميد هذا الاعتراف، بفضل جهود دبلوماسية مغربية مكثفة. اليوم، نحن أمام صدمة ثلاثية، الأولى اعتراف الحكومة الكولومبية اليسارية الجديدة بالبوليساريو، والثانية الاستهتار الشنيع للموظفيْن في سفارة المغرب في بوغوتا، والصدمة الثالثة والأقوى دفاع السفيرة فريدة لوداية عن موظفيْن لو كانا يشتغلان بنفس الحماس على المستوى الدبلوماسي كما يفعلان في اصطياد النساء لما وصل الأمر إلى اعتراف سريع للحكومة الكولومبية الجديدة بالبوليساريو. البيان السريع الذي خرجت به الخارجية المغربية حول ما جرى، يعتبر ناقصا جدا لأنه يجب أن يشمل، أيضا، الاستدعاء الفوري للسفيرة المغربية في بوغوتا وإدخالها "الكاراج"، فهذه المرأة ذهبت إلى بلد هو عبارة عن عش ضبابير في كل المجالات، ومن لا يعرف تعقيدات وتناقضات كولومبيا لا يمكنه أن يفهم أهمية هذا البلد داخليا وخارجيا، بينما سفيرتنا في بوغوتا تتهجى الإسبانية فقط ولا تتكلمها، وهذا ليس خطؤها، بل خطيئة من عينوها. كان على السيدة فريدة أن تهتم أكثر بإجادة الإسبانية وإتقان العمل الدبلوماسي وليس فقط ارتداء القفطان والتأنق والتقاط الصور، فكولومبيا أخطر بلد لاتيني على الإطلاق بمليشياته ومخدراته وأحزابه ويساره ويمينه وكل تعقيداته، ولو أن قادة الدبلوماسية المغربية يتميزون ببعض الحكمة لعينوا هذا المرأة الحسناء أولا في بلد لاتيني صغير وبدون مشاكل كبيرة، قبل إن يرموا بها إلى بوغوتا. في النهاية قد تكون هذه المرأة ضحية لمن عينوها، وأيضا ضحية نفسها حين اهتمت أكثر بالقفطان والمظاهر، حتى وجدت نفسها غارقة، والمغرب معها، في اعتراف صادم بالبوليساريو، وبفضيحة "دبلوماسية" غير مسبوقة تناقلتها وكالات الأنباء عبر العالم. أتخيل الكاتب الراحل الفذ، غارسيا ماركيز، وهو يقرأ تفاصيل ما جرى.. أكيد كان سيكتب رواية، ولو قصيرة، يسميها.. "حسناء بوغوتا"..!