حفلات القنص.. والحيوانات البشرية..!

عبد الله الدامون

حتى نهاية القرن التاسع عشر، كان هناك تقليد شائع بين الأرستقراطية الأوربية، وخصوصا في إنجلترا، بتنظيم حفلات قنص غريبة، الطريدة فيها ليست طيورا أو حيوانات، بل كان عشاق القنص الأغنياء، حين يملون من صيد الحمام والحجل والأرانب والغزال والخنازير وغيرها، يقررون تنظيم حفلات قنص خاصة جدا، أحيانا شبه سرية، الطريدة فيها بشر قادهم حظهم العاثر للوقوع بين أيدي أرستقراطيين همجيين يستمتعون بصيد البشر أكثر مما يستمتعون بصيد الطيور و الحيوانات.

كان هؤلاء القناصة البورجوازيين يتجمعون من مختلف بلدان أوربا، ويأتون بعدد من الناس، أغلبهم خدم سود أو سجناء أو عبيدا متمردين، ويطلقونهم حفاة وشبه عراة في الغابات والأحراش القريبة من المدن، ثم يمنحونهم فسحة قليلة من الوقت للابتعاد، فقط من أجل خلق حالة من التشويق، ثم ينطلقون وراءهم بأسلحتهم وبنادقهم الأنيقة والمتطورة وهم يمتطون خيولهم الشبيهة بدبابات مدرعة.

كان يتم اختيار الطرائد البشرية من بين شباب يافعين قادرين على الجري والمناورة، لكنهم لا يملكون ولو خنجرا صغيرا للدفاع عن أنفسهم، والسلاح الوحيد الذي يملكونه للنجاة هو الهرب.. الهرب ثم الهرب.. ونادرا ما يفلتون. فاللعبة تقتضي بأن ينتصر القناص قبل أن يبدأ.. وأن تموت الطريدة قبل أن تهرب.. أما الباقي فمجرد تفاصيل للتسلية.

تبدأ المطاردة بحفل شواء ونبيذ باذخ بين القناصة المنتشين بمطاردة فرائس استثنائية، وكل قناص يمني النفس بقتل أكبر عدد من البشر.. وهم في عيونهم ليسوا بشرا.. لنقل إنهم كانوا يعتبرونهم حيوانات بشرية..!

في الغالب كان يتم قنص أغلب البشر الهاربين، ومهما حدث فإن الطريد يموت في النهاية عطشا وجوعا، وفي كثير من الأحيان تتكفل الكلاب بإنهاء المهمة والكشف عن مكان الهاربين وقنصهم في النهاية.. فالكلاب تلعب دورا محوريا في هذه اللعبة.. ومن لا يموت بالرصاص تنهشه الكلاب.

أوربا “المتحضرة جدا” نسيت بسرعة هذا التاريخ الدموي، من بين تواريخ دموية كثيرة أخرى نسيتها أو تناستها، ثم تخصصت في إعطائنا الدروس حول التعايش والتسامح وحقوق الإنسان والكثير من الدروس الأخرى.

كثيرون صدقوا النفاق الأوربي أو كادوا.. لكن “حفلة القنص” الحالية في غزة أعادت الكثيرين إلى رشدهم، باستثناء الكلاب طبعا، وها نحن نرى ما هو أبشع بكثير من حفلات القنص الأرستقراطية للبشر في القرون الخالية، ففي تلك الحفلات لم يكن الضحايا أطفال أو نساء، وكان يتم إعلام الضحية بأنه سيكون هدفا للقتل وعليه أن يهرب ما استطاع، أما اليوم فنرى ما لم نكن نتخيله، ليس فقط في طبيعة المذابح وتحمس الكلاب ومقدار الغدر، بل في التواطؤ والنفاق الذي يجب أن يدفع آخر المؤمنين بما يسمى التحضر الغربي إلى إعلان الكفر العلني بهذه الحضارة الدموية المنافقة.

ومنذ بداية “حفلة القنص” كان الصهاينة قد حددوا سلفا نوع الضحايا ووصفوهم بالحيوانات البشرية حتى يمنحوا الشرعية كاملة لذبحهم، بينما القتلة بشر على قدر كبير من التحضر والتعقل ونظافة اليد والضمير..!

إنها حفلة قنص خاصة جدا اختلط فيها كل شيء.. القناصة الدمويون جدا.. الكلاب المتحمسة أكثر من اللازم.. التواطؤ المطلق..  الرصاص متعدد الجنسيات..  النفاق الرهيب.. وأكثر من هذا ذلك الجهل الرهيب بأن المستقبل صار مفتوحا على جهنم في عالم صار واضحا جدا من هم حيواناته البشرية الحقيقية..!

damounus@yahoo.com

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )