المساء اليوم - هيأة التحرير: قبل سنوات، نتذكر كيف انقلب حزب الاستقلال على ظهره مثل سلحفاة، حين وصل إلى أمانته العامة حميد شباط، وبدا أن الحزب كان على شفا ثورة داخلية شرسة لأن "مناضليه" اعتقدوا أن تحكم التازي شباط في حزب "فاسة" إهانة بالغة للحزب، وظل كثيرون يسمون الرجل "السيكليست"، ويسمون حزب الاستقلال "حزب السيكليست"، قبل أن يدور الزمن ويجد الحزب نفسه في يد الشماكرية. اليوم نتأمل ما يحدث في حزب علال الفاسي وكأن الأمر يتعلق بفيلم للخيال العلمي، بينما الكثير من أعضاء الحزب يرددون في سرهم مقولة "ألا ليت أيام شباط تعود يوما"..! وقبل أيام انعقد المؤتمر الإقليمي للحزب في طنجة، وتم استعمال الأسلحة البيضاء وتطايرت في الهواء مختلف الشتائم والألفاظ النابية، وبدا وكأن المؤتمر يجري بين أصحاب "الجيليات الصفراء" الذين يتعاركون للسيطرة على الشوارع..! في ذلك المؤتمر كان البرلماني محمد الحمامي حاضرا، ومن لا يعرف هذا الرجل فإنه أحد أباطرة البناء العشوائي، ليس فقط في مقاطعة بني مكادة التي يرأس بلديتها، بل يمكن اعتباره بارونا للعشوائيات على المستوى الوطني. في المؤتمر الإقليمي لطنجة صار الحمامي هو صاحب الحزب، بعد أن جاء إليه قبل وقت قصير من حزب "الأصالة والمعاصرة"، بينما عدد من قدماء الحزب، مثل محمد بولعيش وجمال بخات وعبد السلام أربعين وغيرهم، صاروا فقط يطمعون في حضور المؤتمر بلا مشاكل مع "قبيلة الحمامي". وإلى حد الآن فإن ملفات ثقيلة لمحمد الحمامي توجد عند الجهات الوصية، حيث كان "بارون العشوائيات" على حافة العزل من طرف الوالي السابق محمد مهيدية، غير أن تدخلات "من فوق" أنقذت الحمامي من المقصلة.. ولو إلى حين. وحين ذهب مهيدية وجاء الوالي الجديد يونس التازي، فإن الغموض لا يزال مهيمنا حول طبيعة الحماية الغريبة التي يتمتع بها الحمامي، وفي جعبته ألف مخالفة ومخالفة، بينما السلطات الوصية تمارس لعبة إخراج الأرانب من القبعة في مقاطعات أخرى وتحاول إخراج الحمامي من دائرة الفضائح المهددة بالعزل، وهذا شيء يمكن أن يجيب عنه المدعو محمد بنعيسى، رئيس الشؤون العامة بولاية طنجة. وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بأنه حين كان الحمامي في قلب المعمعة، جاء من الرباط رجل يسعى، اسمه نور الدين مضيان، وقابل الوالي مهيدية شخصيا، هو وقيادي استقلالي آخر، وطلبا من الوالي إغماض العين عن الحمامي، ولو إلى حين مرور المؤتمر الوطني، فوافق مهيدية ودفن الملفات الوسخة في مكتبه، فدخل الحمامي في طمأنينة طويلة بعدما أخبروه أنه محمي بنسبة "100 مليون في المائة". لكن المثير أنه بضعة أسابيع بعد ذلك، تحول مضيان، وسيط الحمامي لدى مهيدية، إلى شيطان حقيقي في الحزب، بعد تسريب تسجيلات مشينة بصوته، يقول في عضوة حزبه، رفيعة المنصوري، ما لم يقله مالك في الخمر، فقررت هذه الأخيرة مقاضاته على الفور، وتحول حزب علال الفاسي إلى عش حقيقي للضبابير والأفاعي وكل أنواع الكائنات السامة. والمثير أنه عوض أن تقرر قيادة الحزب طرد مضيان فورا، فإن نزار بركة نفسه، مع قياديين آخرين، مارسوا ضغوطا نفسية رهيبة على المنصوري من أجل التنازل عن شكايتها، وحين رفضت، تم تهميشها وممارسة حرب نفسية يومية عليها..! وحتى التيار الصحراوي في الحزب، الذي يقوده حمدي ولد الرشيد، عجز عن تأديب مضيان، ونحن نعرف ما جرى في لقاء "العشاء الأخير" الذي جمع مضيان بولد الرشيد وميارة وسعود وآخرين، وهو لقاء تحولت فيه المنصوري إلى قضية ثانوية، و تمت فيه مكاشفة مضيان بملفات كبيرة أخرى كادت تؤدي به إلى الإغماء، ومن الأكيد أن الزمن سيكشفها واحدة تلو الأخرى. وحتى حدود اللحظة، لا يجد زعيم حزب الاستقلال، نزار بركة، أية وسيلة لإبعاد مضيان من الحزب، بل إن هذا الأخير تحدى حتى قرار إبعاده من رئاسة الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، ثم كلف نفسه بترؤس المؤتمر الثامن عشر للحزب بإقليم الناظور، وظهر في الصور يحاضر في الشرف، ثم تلقى هدايا من عدد من نساء الحزب اللواتي كن يحطن به، رغم أن تسجيلاته الصوتية تجعل العقارب تهرب منه. مضيان الذي أنقذ الحمامي، والحمامي الذي أكرم مضيان، هما اليوم الوجه الأكثر بشاعة لحزب الاستقلال، الذي ظل لعقود طويلة حزبا يحظى باحترام عدد كبير من المغاربة رغم كل الاختلافات معه، أما اليوم فلا هو حزب يحظى بقيادة حقيقية ولا بقياديين عقلاء ولا بمناضلين يستطيعون النضال، ولو فقط من أجل غسل وجه حزبهم من الوساخة والعار..! إنه حزب الاستقلال يا سادة..!