عبد الحفيظ أيراذ عندما أخرج إلى شوارع برشلونة وأرى أطفالًا صغارًا، يافعين، وشبابًا في مقتبل العمر، متوشحين بالكوفية الفلسطينية، وآخرين رسموا على أخاديد وجوههم علم فلسطين، أشعر بوخزٍ داخلي لا يشبه أي ألم. ليس لأنهم أخطأوا، بل لأنهم فعلوا ما كان ينبغي أن نفعله نحن أولًا. نحن الأقرب لفلسطين عرقًا، ودينًا، ولغةً، وجغرافيًا، ومع ذلك أصبحنا نكتفي بالمراقبة، بينما يتقدّم الأوروبيون الصفوف، يهتفون، يحتجون، ويعلّموننا كيف يكون الانتماء. في وسط مدينة برشلونة، وتحديدًا في ساحة كاتالونيا التي تعج بالبشر، رأيت وجوهًا عربية وأمازيغية بين المحتجين لأجل غزة وفلسطين. فجأة، دخلت شرطة مكافحة الشغب إلى داخل الساحة، تتعقب المشاكسين والهاتفين لأجل فلسطين. على الخشبة المخصصة للغناء والترفيه، وقف شبابٌ يصرخون بأعلى صوتهم على الشرطة، يذكّرونهم بأن المكان ممنوع على التدخل الأمني. فإذا برجال الشرطة يغادرون في صمت، وكأنهم خجلوا من صرخة الحق. وفي جو مفعم بالبهجة والسرور، قدمت مجموعة موسيقية تمثلها شابات لا تتجاوز أعمارهن الثلاثين، كاطالونيات ولاتينيات، أغاني رائعة جعلت الجميع يرقص ويصفق، رافعين أعلام وكوفيات فلسطين، هاتفين بصوت واحد في سماء برشلونة "الحرية لفلسطين". في زمنٍ يُباد فيه أهل غزة تحت القصف، لا يكفي أن نرفع الشعارات أو نغرد من خلف الشاشات. قال الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: _"اللامبالاة هي أسوأ أنواع القسوة."_ وربما هذا ما يؤلم أكثر من القنابل. فلسطين لا تحتاج فقط إلى من يبكي لأجلها، بل إلى من يقف معها. إلى من يجعل من الكوفية موقفًا، ومن العلم التزامًا، ومن التضامن فعلًا لا مجاملة. في شوارع برشلونة، رأيت الإنسانية تتجلى في وجوه لا تعرف العربية، لكنها نطقت باسم فلسطين بصدق. فهل آن لنا أن نستيقظ؟ عبد الحفيظ من برشلونة